المصرف الإسلامي
يقصد بالمصرف الإسلامي مؤسسة الوساطة المالية التي لا تعمل بالفائدة . ذلك أن المسلمين قد توصلوا منذ نحو قرن من الزمان (وهو عمر المصارف في بلاد المسلمين) إلى أن الفائدة المصرفية هي عين الربا المحرم ، لأن الزيادة على القرض وهي أساس عمل البنوك التقليدية هي من الربا ، ولذلك لم تنتشر البنوك عندهم إلا في عصر الاستعمار - رغم قدمها عند الأوربيين إذ يعود تاريخها إلى مئات السنين - ولذلك اجتهد المسلمون بعد حصول بلدانهم على الاستقلال في الخمسينات الميلادية وما بعدها إلى تأسيس نظام مصرفي يكون منسجماً مع أحكام الشريعة . وقد أدركو أن الوساطة المالية وظيفة أساسية في حياة المجتمعات ، وأن المسلمين منذ القدم تبنوا ترتيبات معينة تنهض بالحاجة إلى الوساطة المالية . إذ أن عملية انتقال الأموال من فئة الفائض (أي مجموعة الأفراد والمؤسسات التي تمتلك من الموارد المالية ما يفيض عن حاجتها الآنية) إلى فئة العجز (أي تلك المجموعة التي تحتاج من الموارد المالية ما يزيد على ما تمتلكه الآن) كانت تتم في القديم بناء على صيغة المضاربة .
ولذلك عندما سعى المسلمون لإيجاد صيغة بديلة للبنك التقليدي تنهض بوظيفة الوساطة المالية دون أن تكون معتمدة على صيغة الاقتراض من المودعين ثم الإقراض للمستثمرين والعمل بالفائدة ، وجدوا في المضاربة قاعدة صلبة يمكن أن يؤسس عليها هذا النموذج البديل . هذه الفكرة الأساسية - رغم وضوحها - قلما نجد الأدب الاقتصادي الإسلامي الذي يبحث مسألة البنوك الإسلامية ما يؤيد ما ذهبنا إليه فيها ، إذ تميل أكثر الكتابات إلى التسليم بالنتيجة المباشرة التي يفضي إليها القول بضرورة تبني صيغ البيع والشركة (بدلاً من القرض والربا) وهي : تحول البنك إلى تاجر ينطح الأسواق في السلع ومستثمر يؤسس الشركات ويمتلك أسهمها . هذا الاتجاه مبني بلا ريب على حقيقة أن جميع صيغ التمويل المقترحة لعمل البنوك كالمرابحة والبيع بالتقسيط والسلم والمضاربة والمشاركة ... إلخ كانت - وعلى مدى التاريخ الإسلامي كله - هي أدوات عمل التجار وصيغ التعامل في أسواق السلع ، وقد ارتبطت على الدوام بالتجارة التي هي أهم نشاط اقتصادي ومالي في مجتمعات الإسلام قديماً . ولا يتصور أولئك الذين تعرضوا لهذا الموضوع صورة مختلفة للبنك بنموذجه الإسلامي رغم أنه مؤسسة مالية ذات طبيعة مختلفة وجديدة .
إن القول بأن "أصول البنك" يجب أن تكون مشابهة لأصول أي تاجر أو مؤسسة تجارية يتجاهل حقيقة مهمة هي أن خصوم البنك مختلفة تمام الاختلاف عن خصوم أي تاجر أو مؤسسة تجارية . فالجزء الأعظم من الموارد المالية المتاحة للبنك مصدرها هو المدخرون الذين يودعون أموالهم لتستثمر ويرغبون في استردادها عندما يحتاجون إليها . هذا نموذج لمؤسسة مالية غير معهود في الأزمنة القديمة ، ولا يمكن بحال القول أنه شبيه بما كان عليه التجار في أي زمن . ويما أننا أمام حقيقة واضحة هي اختلاف جانب الخصوم في هذه المؤسسة أضحى لزاماً علينا أن نقبل صفة مختلفة لجانب الأصول ملائمة لهذا النموذج المستحدث . إن الفرق الأساس بين المصرف الإسلامي والمصرف التقليدي هو أن الأول ينهض بوظيفة الوساطة المالية دون عزل المخاطرة كما يفعل البنك التقليدي . وعلى ذلك فإن المدخرين الذين أودعوا أموالهم على أساس المضاربة إنما يتحملون مخاطرة المستخدم النهائي للأموال وإذ أن وظيفة البنك هي "العمل" (بلغة المضاربة) أو الإدارة (بلغة المصارف) الحديثة . والمصرف يحصل في واقع الأمر على رسوم مقابل إداراته ولذلك فإن نموذج المصرف الإسلامي في الواقع قد تبنى الاتجاه الحديث الذي اتجهت إليه البنوك وهو توفير الفرصة للمدخرين بتحمل المخاطر مباشرة. وعليه يجب أن تبتعد المؤسسات (أي البنوك) من كل معاملة محرمة في الشريعة وبشكل خاص تطهيرها من الربا ، ولا يجوز لأي بنك إسلامي أن يعمل بالفائدة أخذاّ وعطاءاّ ولا يجوز أن تقوم بأي عمل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، ويجب أن تمارس البنوك الإسلامية نشاطها اعتماداً على الصيغ الشرعية المعروفة مثل المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع والبيوع الآجلة وبيع المرابحة وغير ذلك من العقود المستحدثة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية .
مجلة الاقتصاد والأعمال
ولذلك عندما سعى المسلمون لإيجاد صيغة بديلة للبنك التقليدي تنهض بوظيفة الوساطة المالية دون أن تكون معتمدة على صيغة الاقتراض من المودعين ثم الإقراض للمستثمرين والعمل بالفائدة ، وجدوا في المضاربة قاعدة صلبة يمكن أن يؤسس عليها هذا النموذج البديل . هذه الفكرة الأساسية - رغم وضوحها - قلما نجد الأدب الاقتصادي الإسلامي الذي يبحث مسألة البنوك الإسلامية ما يؤيد ما ذهبنا إليه فيها ، إذ تميل أكثر الكتابات إلى التسليم بالنتيجة المباشرة التي يفضي إليها القول بضرورة تبني صيغ البيع والشركة (بدلاً من القرض والربا) وهي : تحول البنك إلى تاجر ينطح الأسواق في السلع ومستثمر يؤسس الشركات ويمتلك أسهمها . هذا الاتجاه مبني بلا ريب على حقيقة أن جميع صيغ التمويل المقترحة لعمل البنوك كالمرابحة والبيع بالتقسيط والسلم والمضاربة والمشاركة ... إلخ كانت - وعلى مدى التاريخ الإسلامي كله - هي أدوات عمل التجار وصيغ التعامل في أسواق السلع ، وقد ارتبطت على الدوام بالتجارة التي هي أهم نشاط اقتصادي ومالي في مجتمعات الإسلام قديماً . ولا يتصور أولئك الذين تعرضوا لهذا الموضوع صورة مختلفة للبنك بنموذجه الإسلامي رغم أنه مؤسسة مالية ذات طبيعة مختلفة وجديدة .
إن القول بأن "أصول البنك" يجب أن تكون مشابهة لأصول أي تاجر أو مؤسسة تجارية يتجاهل حقيقة مهمة هي أن خصوم البنك مختلفة تمام الاختلاف عن خصوم أي تاجر أو مؤسسة تجارية . فالجزء الأعظم من الموارد المالية المتاحة للبنك مصدرها هو المدخرون الذين يودعون أموالهم لتستثمر ويرغبون في استردادها عندما يحتاجون إليها . هذا نموذج لمؤسسة مالية غير معهود في الأزمنة القديمة ، ولا يمكن بحال القول أنه شبيه بما كان عليه التجار في أي زمن . ويما أننا أمام حقيقة واضحة هي اختلاف جانب الخصوم في هذه المؤسسة أضحى لزاماً علينا أن نقبل صفة مختلفة لجانب الأصول ملائمة لهذا النموذج المستحدث . إن الفرق الأساس بين المصرف الإسلامي والمصرف التقليدي هو أن الأول ينهض بوظيفة الوساطة المالية دون عزل المخاطرة كما يفعل البنك التقليدي . وعلى ذلك فإن المدخرين الذين أودعوا أموالهم على أساس المضاربة إنما يتحملون مخاطرة المستخدم النهائي للأموال وإذ أن وظيفة البنك هي "العمل" (بلغة المضاربة) أو الإدارة (بلغة المصارف) الحديثة . والمصرف يحصل في واقع الأمر على رسوم مقابل إداراته ولذلك فإن نموذج المصرف الإسلامي في الواقع قد تبنى الاتجاه الحديث الذي اتجهت إليه البنوك وهو توفير الفرصة للمدخرين بتحمل المخاطر مباشرة. وعليه يجب أن تبتعد المؤسسات (أي البنوك) من كل معاملة محرمة في الشريعة وبشكل خاص تطهيرها من الربا ، ولا يجوز لأي بنك إسلامي أن يعمل بالفائدة أخذاّ وعطاءاّ ولا يجوز أن تقوم بأي عمل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، ويجب أن تمارس البنوك الإسلامية نشاطها اعتماداً على الصيغ الشرعية المعروفة مثل المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع والبيوع الآجلة وبيع المرابحة وغير ذلك من العقود المستحدثة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية .
مجلة الاقتصاد والأعمال