يبدو أن سوق الصكوك الإسلامية في طورها لتحقيق انتعاشة كبيرة، وهناك طلب عالمي على إصدار مثل هذه الصكوك. وبحسب الخبراء فإن عديدا من المؤتمرات أقيمت في معظم دول العالم، منها إنجلترا وأمريكا وفرنسا، طُرِح فيها عديد من القضايا المتعلقة بطبيعة التمويل الإسلامي وخاصة الصكوك الإسلامية، إضافة إلى توجه عديد من الدول نحو التوسع في العمل المصرفي الإسلامي مثل سورية وقطر ولبنان والهند والفلبين وفرنسا واليابان وكوريا وغيرها من الدول الأخرى.
أكد كثير من المتخصصين الماليين في المصرفية الإسلامية أنه بالنظر إلى النتائج الإيجابية التي حققتها الصناعة المالية الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية، التي رفعت حجم الصناعة عام 2010م إلى حدود تريليون دولار أمريكي، فإن ذلك يستدعي مزيدا من التفاؤل حول مستقبلها. وتوقع التقرير دخول لاعبين جدد، فضلاً عن مصدرين جدد في دول عدة، يستهدفون الاستفادة من سوق الصكوك، مع ظهور محتمل للمرة الأولى في تايلاند واليابان وأوروبا وأسيا وإفريقيا، الأمر الذي يعزز الطلب على هذا المنتج المالي الشرعي الآخذ في النمو، في وقت تسعى فيه دول إسلامية وأوروبية إلى الاستفادة من النمو في هذه الصناعة الحديثة سواء عن طريق إصدار لوائح تنظيمية أو البدء في طرحها في الأسواق.
لقد انتشرت هذه الصناعة في دول لم يسمع بها أحد وفتحت أبوابها وتركتها مشرعة للنظام المالي الإسلامي مثل الفلبين ذات الأغلبية المسيحية والهند بسكان معظمهم من الهندوس، وباتت المصرفية الإسلامية محط أنظار خبراء المال على مستوى العالم، حيث حققت الصناعة المالية الإسلامية لأول مرة خلال أربعة عقود من عمرها إنجازاً كبيراً من خلال طرحها الصكوك الإسلامية، مسجلة عديدا من الإنجازات خلال العام الماضي 2010م، بنسبة نمو 28 في المئة، في حين لم تحقق المصارف التقليدية أي معدل نمو يذكر.
ومن ضمن المؤسسات الخليجية التي ينتظر أن تقوم بإصدار صكوك في مطلع العام الجاري: مؤسسة الخليج للاستثمار ومقرها الكويت؛ إذ تعتزم القيام ببرنامج في ماليزيا لجمع 3,5 مليار رينجت ماليزي، وفقاً لأرقام نشرتها الوكالة الدولية (لوكسمبورج)، كما تنوي الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات، ومقرها الخبر، إصدار صكوك بقيمة 1,5 مليار ريال بهدف تمويل توسعات مستقبلية محتملة، وأن هذه الصكوك سيتم إصدارها في الربع الأول من العام الجاري. البنك الأهلي التجاري السعودي، وهو من أكبر البنوك التجارية في المملكة العربية السعودية، ينتظر أن يصدر أول صكوك له في عام 2011 في الربع الثاني. لكن البنك لم يحدد قيمة الصكوك التي سيصدرها، كما بيَنت شركة (اتصالات) في دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستقوم بإصدار صكوك ضمن برنامج قيمته مليار دولار، وهو جزء من برنامج لجمع 8 مليارات دولار لتنويع التمويل وإدارة استحقاقات الديون، أما مجموعة البركة المصرفية، وهي أكبر بنك إسلامي مسجل في سوق البحرين للأوراق المالية، فيتوقع أن تسعى إلى الحصول على 200 مليون دولار من إصدارات صكوك
.وأوضح التقرير أن شركة الكهرباء السعودية، وهي أكبر شركة خدمات في العالم العربي، يتوقع أن تصدر صكوكا عالمية في عام 2011 بعد إصدار صكوك قيمتها 7 مليارات ريال سعودي في أبريل العام الماضي، وفي فرنسا فإن أول صكوك إسلامية يمكن أن تصدر خلال العام الجاري بعد أن أدخلت الحكومة الفرنسية إرشادات بشأن طرح الصكوك، سواء بالدولار الأمريكي أو العملة الأوروبية (اليورو)، حيث تجتهد باريس إلى اجتذاب هذه الصناعة سريعة النمو، كما أعلنت فرنسا افتتاح أول بنك إسلامي فيها بعد موافقة مجلس النواب الفرنسي على تعديل قانون المصارف بما يسمح بفتح مصارف إسلامية. يذكر أن المجلس الفرنسي للمالية الإسلامية سيستضيف مؤتمر "المالية الإسلامية من التكييف إلى التجديد"، وذلك بحضور عدد كبير من خبراء الصناعة وتحت رعاية البنك الإسلامي للتنمية.
ومن ناحية أخرى نسب التقرير إلى رئيس الصيرفة الإسلامية العالمية في بنك كريديت أغريكول، سايمون إيدل، قوله، إن البنك الفرنسي يعمل على عمليتين أو ثلاث عمليات لدول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن تطرح قبل نهاية الربع الأول من العام. وأشار خبراء أن الهند تمضي قدماً في تطبيق مزيد من أنظمة التمويل الإسلامي، وتأتي هذه الخطوة بعد رفضها الدائم خلال السنوات الماضية لتطبيق أي نوع من هذا النظام، فإن الخطوة جاءت على ما يبدو من ضغط المسلمين ورفضهم الدائم للتعامل مع الأدوات الربوية، وعزوف بعض المسلمين عن التعامل مع البنوك التي لا تتوافق نظمُها مع تعاليم الدين الإسلامي.
وتسعي موسكو لبناء نظام مصرفي إسلامي موسع، وتطلب من ماليزيا ودول عربية مساعدتها على وضع وتنفيذ خطة لنظام مالي إسلامي متكامل، على خلفية نمو الطلب على الخدمات المالية الإسلامية فيها، حيث تسعى لأن تكون بوابة لدخول هذه النوعية من الخدمات إلى أوروبا الشرقية. وقال رئيس البنك المركزي في لوكسمبورج إنها دولة صغيرة محشورة في وسط قارة أوروبا ترى في المصرفية الإسلامية مجالا لتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أن المعاملات المالية الإسلامية أخلاقية ومهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي قادرة على خدمة غير المسلمين أيضا، ولهذه المميزات وزيادة الطلب على التعاملات المالية الإسلامية عمدت لوكسمبورج خلال العام الماضي إلى العودة إلى هذه الصناعة، وهي عودة في الحقيقة بسبب أنها كانت لديها مؤسسات بنكية إسلامية في سبعينيات القرن الماضي. في المقابل سعت الحكومة إلى إزالة جميع العقبات القانونية التي تواجه التمويل الإسلامي، وتستعد الآن لتصبح واحدة من المراكز الرائدة في قطاع التمويل الإسلامي في العالم.
يذكر تقرير البنك المركزي المغربي أن رقم معاملات المصارف المغربية المتعلق بهذه الصيغ التمويلية جاء مشجعا نسبياً بخصوص صيغتي المرابحة والإجارة، حيث سجلتا رقم معاملات بلغ 500 مليون درهم "الدرهم المغربي يعادل ثمانية دولارات تقريبا"، إلا أن حصيلة صيغة التمويل بالمشاركة جاءت مخيبة للآمال؛ إذ لم تقدم المصارف على أي عملية تمويل بهذه الصيغة. وتستقبل كابول حدثا مهما، هو الأول في تاريخها، حيث ينظم مهتمون مؤتمرا دوليا يهدف إلى استكشاف فرص التمويل الإسلامي هناك، وتأتي الخطوة بالتعاون مع مركز الهدى للخدمات المصرفية الإسلامية.
وقال الشيخ الزبير مغل، الرئيس التنفيذي للمركز إن أفغانستان هي السوق المتنامية الناشئة لصناعة المالية الإسلامية، حيث إن إجمالي البنوك العاملة في أفغانستان في الوقت الراهن وصل إلى 18 بنكا، بما في ذلك المصارف الأجنبية، بينها عدد من البنوك الإسلامية، ويعتزم عدد من البنوك التقليدية إطلاق عمليات الخدمات المصرفية الإسلامية في المستقبل القريب.
ويتوجه البنك الياباني المركزي على استحياء نحو المصرفية الإسلامية، ففي خطوة جديدة تصدر اليابان صكوكا مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، في خطوة وصفها المراقبون الاقتصاديون بأنها تاريخية، باعتبارها دشنت أول اختراق للصكوك الإسلامية لمجموعة الدول الثماني الكبار وهي مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى وروسيا.
ومع تزايد إقبال الكوريين على الإسلام، تتطلع الجهات المالية إلى اكتساب مزيد من فرص التمويل الإسلامي. وتعلن الحكومة عبر موقعها الإلكتروني الفرص الإيجابية للأزمة المالية العالمية، وكيفية الاستفادة منها، حيث تكشف هذه الدولة الواقعة في شرق آسيا قدرتها على تحويل المحنة إلى منحة، وتتطلع إلى ركوب موجة التمويل الإسلامي والصيرفة الإسلامية لتستفيد من الفرص التي توفرها هذه الصناعة، وتعمل في المقابل على تنظيم مؤتمر دولي للتمويل الإسلامي في العاصمة سيئول.
وتتطلع جيبوتي إلى بناء قاعدة للاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، ولا سيما مع نمو اقتصادها الواعد الذي يدفع بكثير من الدول الكبرى للتسابق إليها، وتتعاون جيبوتي في هذا الخصوص مع دول متقدمة في مجال المصرفية الإسلامية، كما هو الحال مع السعودية والسودان وغيرهما، وتنجح في تنظيم دورة تخصصية في فقه المعاملات المالية في الإسلام تحت شعار نحو مصرفية متميزة، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وبالتنسيق مع لجنة شباب إفريقيا في مكتب الندوة في الرياض، هذا يحدث متزامنا مع تزايد أعداد البنوك الإسلامية.
كما أن الصناعة المالية الإسلامية في موريتانيا تتقدم، ولا سيما في الوقت الحالي، حيث تهتم البلاد بفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات الأجنبية، ويدعو الاقتصاديون هناك إلى ضرورة العمل على إنشاء مزيد من المصارف الإسلامية والترخيص لها لاستقطاب المستثمرين الذين يثقون بهذه المصارف التي نجحت في الآونة الأخيرة في إثبات جدواها في كثير من دول العالم. ويؤكد أكثر المحللين والاقتصاديين الموريتانيين، أن البلاد في حاجة ماسة إلى مزيد من المصارف الإسلامية لإنعاش حركة الاستثمار والسيولة النقدية.
ونظمت إندونيسيا المنتدى الآسيوي للصكوك، وذلك في العاصمة جاكرتا، ليناقش عددا من المواضيع الرئيسة، التي من أهمها تطوير وابتكار الصكوك، إضافة إلى موضوع مهم وهو إدارة المخاطر الشرعية والقانونية وتسوية المنازعات، ويولي المؤتمر أهمية كبيرة لجانب التحكيم في تسوية النزاعات حول الصكوك التي ظهرت على الساحة أخيرا بعد أزمة الصكوك الإسلامية في دبي، إضافة إلى عولمة التمويل الإسلامي وأهمية إعداد الجيل المقبل للتعامل مع التمويل والمصرفية الإسلامية.
ومن المتوقع أن يستمر نمو التمويل الإسلامي على مدى السنوات المقبلة، وبشكل خاص في دول معينة، كالسعودية، التي من المتوقع أن تكون خلال فترة أقل من عقد من الزمن عاصمة التمويل الإسلامي العالمية، وكذا ماليزيا والكويت وغيرهما من الدول الخليجية والعربية والإسلامية والعالمية، وضرورة الابتعاد قدر الإمكان عن محاكاة الصناعة المالية التقليدية، والعمل على ابتكار وتطوير الأدوات المالية.
استشراف آفاق المستقبل
وذكر خبير متخصص أنه كي نستشرف آفاق المستقبل يتطلب الأمر وقفة متأنية مع ما شهده هذا العام من حراك وإنجازات، لقد شهد عام 2010م انعقاد عديد من المؤتمرات والندوات التي تناولت اقتراحات في شتى مجالات الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، كما شهد نقدا للأداء المصرفي الإسلامي، وللمنتجات المصرفية الإسلامية، وعن عام 2011م أعتقد أنه سيشهد تطويراً للتمويل والمصرفية الإسلامية يتناول محاور عدة، أهمها إنشاء البنوك المركزية ومؤسسات النقد هيئات شرعية، تابعة لها تعمل على التنسيق بين الفتاوى على مستوى مختلف البنوك في كل دولة.
وقد رأى المصرفي في بنك يونيكورن، صلاح المجذوب، أن إصدارات الصكوك في المنطقة كانت في تقدم كبير جداً وازدهار قبل حدوث الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالأسواق منذ عام 2008، وأعرب عن اعتقاده بعودة النشاط إلى الأداة المالية الرئيسية، وخصوصاً فيما يتعلق بإصدارات الشركات في المستقبل القريب. وقال المجذوب خلال مؤتمر عن الصيرفة الإسلامية عقد في البحرين في الآونة الأخيرة: (نحن في منطقة الخليج تأثرنا بطرق مختلفة بالنسبة إلى الصكوك التي تصدرها الشركات؛ إذ كان هناك تأخر في الصكوك التي تصدرها الحكومات).
وأوضح أن سوق الصكوك تسير من ازدهار إلى ازدهار، فهناك حاجة كبيرة إلى الصكوك من جهة العرض والطلب لأن المؤسسات والشركات تحتاج إلى إصدارات الصكوك لتمويل المشروعات، ونحن في منطقة تشهد نمواً وكثيرا من المشروعات المستمرة والمقبلة. ومن جهة أخرى هناك أيضاً سيولة كثيفة تبحث عما يسمى بالعائد القليل مقابل المخاطرة القليلة. ويقدر أن المصارف الإسلامية تدير نحو 700 مليار دولار، ويتوقع أن ينمو الرقم إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2012م. وقال ناظم عشار، المدير التنفيذي للشرق الأوسط رئيس الخدمات المصرفية الإسلامية والمجموعة المالية في "إرنست آند يونغ" إن مستويات نمو صناعة التمويل الإسلامي أكثر من 20 في المئة سنويا على مدى السنوات القليلة الماضية، وتعرضت لضغوط هائلة في 2010م، لذا فالمؤسسات المالية الإسلامية في حاجة ماسة إلى تطوير نماذج الأعمال الخاصة بها والبحوث وأدوات للمساعدة في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مسار النمو المستقبلي لأعمالها، حيث إن الأسواق بحاجة إلى أن تدرج بشكل مناسب في مرحلة التخطيط نفسها فضلا عن إمكانات نمو هائلة.
ومن المتوقع أن ينمو التمويل الإسلامي إلى ثلاثة أضعاف خلال عام 2010 للصناديق الإسلامية، وسلط الضوء على الوقف الإسلامي، مع وجود تجمع ثروة تقدر 105 مليارات دولار، حيث شهد القطاع المالي الإسلامي العالمي تشجيع النمو على مدى العقد الماضي، ومن المتوقع أن يكون القطاع المالي الإسلامي في العالم الأسرع نموا في السنوات المقبلة، مع احتمال عالمي يقدر التمويل الإسلامي وعديد من الصفات التي يمكن أن تصلح لطرح الصكوك الإسلامية، وهناك عديد من الهياكل التي يمكن أن تولد عائدات مدفوعة لحاملي الصكوك.
وكان معظم إصدارات الصكوك حتى الآن كليا على أساس الأصول بدلا من الأصول المدعومة في الصكوك المبنية على الأصول، ويقول حاملو الصكوك إن الشركة تسعى إلى زيادة التمويل من خلال إصدار الصكوك، ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الطلب على الصكوك الإسلامية إلى نمو سوق الصكوك. ووفقا لـ"موديز"، فإن سوق الصكوك سوف تزيد على 200 مليار دولار بحلول عام 2011 م، ويتوقع أن تنمو بنسبة تصل إلى 35 في المئة خلال عام 2012م، وقد أدى الطلب المتزايد على المنتجات المالية الإسلامية وأصبحت الدول الغربية أكثر المستثمرين اهتماما بالاستثمار في الصكوك الإسلامية في حين لا تزال تتركز في دول الخليج وماليزيا، وتنمو بسرعة مع الشركات المشاركة من قبل شركات خاصة ومؤسسات الدولة والحكومات ذات السيادة، والمؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات الدولية أيضا من غير المسلمين.
تعد الصكوك من الأدوات المالية الإسلامية الأكثر جذبا للمؤسسات المالية الخليجية والعربية والإسلامية والأجنبية وذلك في ضوء الطلب المتزايد عليها في الأسواق العالمية، خصوصا أن الصكوك الإسلامية ظهرت كواحدة من الأدوات الإسلامية المبتكرة خلال السنوات القليلة الماضية لإصداراتها سواء كانت صكوكا سيادية من حكومات أو صكوكا عادية من شركات، حيث أصبحت القناعة بأهميتها كأداة تمويلية تتميز بكونها مدعومة بأصول حقيقية وذات مخاطر منخفضة؛ ومن ثم فهي أداة جذب للمستثمرين ومصدر مهم لضخ الأموال في المشروعات والتوسعات الكبيرة.
لقد شهدت أسواق المنتجات المالية الإسلامية رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة بفضل وفرة سيولة فوائض النفط، وقد تم توظيفها في استثمارات كبيرة لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ونظراً لكبر حجم هذه السيولة تسعى المصارف الإسلامية والعالمية إلى إصدار الصكوك الإسلامية لتمويل المنتجات المهيكلة في هذه الأسواق، إضافة إلى ذلك بدأت صناديق التحوط وبنوك الاستثمار التقليدي في حيازة هذه الصكوك إما لأغراض زيادة العائد وإما لتنويع نشاطاتها، وينتظر أن يصل حجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار، وتعمل هذه المنتجات المالية على نحو شبيه بالأوراق المالية التقليدية المضمونة بأصول ولكنها مبنية على مبادئ التمويل الإسلامي.
وتؤكد أن يكون الدخل في شكل أرباح تنتج من عمل تتم فيه المشاركة في المخاطر، ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة لها، وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعد خرقاً لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك وهو ما أوقع الشك في كثير من المستثمرين فيها، خاصة المصارف العاملة في الدول الغربية.
وتشترط الشريعة الإسلامية أن يكون مستثمر الصكوك مالكا للأصل الأساسي عن طريق إحدى المؤسسات الاستثمارية، على أن تقوم هذه المؤسسات المالية بتمويل المدفوعات المستحقة للمستثمرين من عائد الاستثمار في نشاط اقتصادي يجيزه المشرع، لذا يجب على هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية إقرار هذه الأنواع من الصكوك، لأن هذه الصكوك تعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي وهي (المرابحة، المشاركة، والمضاربة) أو الإجارة.
لقد أسهم قبول هذه الهياكل الاستثمارية الإسلامية إسهاما كبيرا في تطور أسواق رأس المال المحلية، وتركزت إصدارات الصكوك الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا والدول الغربية، وقد تيسر تطوير سوق الصكوك في هذه البلدان بفضل الزيادة الكبيرة والمستمرة في السيولة بسبب ارتفاع الإيرادات النفطية في دول الخليج العربية، وقد بدأ الإقبال عليها يرتفع، حيث ذكرت تقارير سابقة أن إصدارات الصكوك قفزت في منطقة الخليج عام 2007 إلى نحو 10 مليارات دولار، ومنذ بداية عام 2008 بلغت الإصدارات 12 مليار دولار، الأمر الذي يمهد لقيام سوق كبيرة للصكوك الإسلامية، مع التوجه العالمي نحوها بهدف الاستفادة من السيولة المتوافرة في أسواق الخليج، حيث صدر عديد من صكوك الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا خلال السنوات الأخيرة.
الأسواق الخليجية والصكوك
تتوقع تقارير "موديز" أن أسواقا مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان هي في وضع جيد لإصدار مزيد من الصكوك على مدى السنوات القليلة المقبلة ويستعرض التقرير أيضا التحسن الواضح الذي شهدته سوق الصكوك عام 2009م مقارنة بالتراجع الذي شهدته إصدارات الصكوك في عام 2008م، حيث بدأت مناطق عديدة التأثر بالأزمة المالية العالمية، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا، ولقد ارتفعت إصدارات الكيانات السيادية والكيانات المرتبطة بالحكومة على وجه الخصوص، مما ساعد على ارتفاع حجم الإصدارات العالمية على أساس سنوي بنسبة تتجاوز 50 في المئة.
إن صناعة خدمات التمويل الإسلامي ينبغي لها إجراء بعض التغييرات الجذرية على البنية التحتية المساندة لها، مع قيام الأطراف المؤثرة في السوق والهيئات التي تضع المعايير والجهات الرقابية بالعمل بجد لبناء المزيد من خلال منتجات جديدة ومبتكرة ومعايير وقوانين في تمويل البنية التحتية والمشاريع الحيوية، والعمل على إعطاء الدور للصكوك الإسلامية لإيجاد التمويل اللازم عن طريقها في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، وكيفية تمكين المستثمرين من الاستفادة منها في مجال الخدمات المالية والعمليات المصرفية الإسلامية من منظور إداري وتمويلي وشرعي، ودور هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في الرقابة على المصارف الإسلامية، كما يفترض وجود وحدة للرقابة الشرعية داخل البنوك المركزية لمراقبة أعمال البنوك الإسلامية، حيث إن الصكوك إحدى أهم الأدوات الإسلامية بعد فشل (السندات) في النظام المصرفي التقليدي، وكانت سبب تفجر الأزمة المالية العالمية.
وللصكوك دور كبير في إيجاد التمويل في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، حيث الاستثمار الإسلامي يقوم على حقوق ملكية ولا يقوم على القرض بفائدة، والمستثمر يشارك صاحب التمويل أو المشروع في الربح ويتحمل معه المخاطر، حيث إن دول الخليج تتمتع ببيئة مالية واقتصادية وتشريعية خصبة وبنية تحتية مؤسسية مؤهلة لاستيعاب وإنجاح النظام المالي الإسلامي ومؤسساته من بنوك وشركات تأمين وتمويل واستثمار، وأدوات ومنتجات مالية إسلامية مثل الصكوك الإسلامية وغيرها من المنتجات الإسلامية الأخرى، حيث يتوقع نمو سريع جدا للصناعة المالية الإسلامية في الخليج وسائر البلاد الإسلامية.
إن انتشار الصكوك الإسلامية لم يقتصر على البلاد الإسلامية فقط، بل شهدت الصكوك الإسلامية إقبالا كبيرا في الدول الغربية، وتعد من أفضل وسائل اجتذاب المدخرات وتجميع الأموال لتمويل مشروعات التنمية، خاصة مشروعات البنية التحتية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، كما يمكن الاتجار بها وبيعها بسهولة، ولا يقتصر الإقبال على شرائها على المستثمرين المسلمين فقط، بل يشمل كافة المستثمرين، حيث إن إجازة الصكوك الإسلامية كان لها ما يبرره، وربما أنها كانت بهدف دفع هذه الأدوات المالية إلى الأمام وزيادة الإقبال عليها. إن البعض من العلماء يرى أن الوقت قد حان لمراجعة الفتوى الخاصة بإجازة الصكوك الإسلامية.
كثير من المؤسسات المالية العالمية ترى أن المصرفية الإسلامية باتت بحاجة إلى وضع معايير واضحة وصريحة يمكن الرجوع إليها، وأن مثل هذا التوجه يؤدي بالتالي إلى الاستقرار في هذه الصناعة، ويعتقد كثير من المصرفيين وجود تقارب بشأن بعض المعايير الخاصة بهذه الصناعة التي نمت بسرعة فائقة في الأعوام الأخيرة، والتي يتوقع أن تواصل توسعها في المستقبل، ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعلها أداة ممتازة لعمليات الاستثمار وعمليات المبادلة.
والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية، حيث إن تطوير سوق الصكوك الإسلامية لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من علماء المسلمين كافة في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي، ولعل دخول السندات والصكوك الإسلامية في أسواق الأوراق المالية لبعض الدول الإسلامية يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة تطويرها ـ كما حصل في سوق المملكة العربية السعودية أخيراً - بإطلاق التداول الإلكتروني المباشر للسندات والصكوك الإسلامية التي نتمنى أن تكون سوقاً واعدة ومتميزة للصكوك الإسلامية بعيدا عن الأعمال الربوية المحرمة، ونتطلع إلى أن تحذو الدول الإسلامية الأخرى حذوها للعمل على نمو وازدهار أسواق الصكوك الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية والعالمية، وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها لتلعب دوراً مهماً في استقرار هذه السوق.
لذا على المصارف الإسلامية استنباط قاعدة فقهية مشتركة للاجتهاد الجماعي والمطالبة بإيجاد هيئة شرعية عليا تضم متخصصين مصرفيين وماليين وشرعيين وعلماء في الفقه يتم التنسيق بينهم لتوحيد الفتاوى وتقديمها عند الحاجة، وكذلك تراقب المصرفية الإسلامية وتدعمها بقوانين إسلامية تتلاءم مع طبيعة أعمالها المصرفية. إن عدم التعاون والتنسيق بين المصارف الإسلامية لا يخدم سير العمل المصرفي الإسلامي ولا يدعم التعاون في اقتناص الفرص الاستثمارية وتمويل المشاريع الكبرى، مما يفقدها القدرة على المنافسة.
المطلوب توحيد الجهود
وكي تتمكن المصارف الإسلامية من تحقيق أهدافها لا بد لها من التعاون والتنسيق مع بعضها البعض وتوحيد الجهود بينها، فلا يحق لمصرف إسلامي أن يعمل بمفرده دون الآخر ويتخذ قراراً يخصه دون الرجوع إلى المصارف الإسلامية الأخرى، مما يؤدي إلى الاختلال في سير العمل المصرفي الإسلامي. إن وجود جهات ومؤسسات تنسق بين المصارف الإسلامية، يتم بموجبها توحيد الجهود والعمل المصرفي المشترك وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها، سوف يلعب دورا مهماً في استقرار العمل المصرفي الإسلامي ويشجع على تكوين كيانات مصرفية إسلامية عملاقة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة، والسعي إلى إيجاد سوق إسلامية حرة للعالم الإسلامي تنافس أسواق البنوك التقليدية.
لقد حققت الصكوك الإسلامية قفزات نوعية من حيث العوائد، وحازت على اهتمام السوقين الإسلامية والغربية، وأحيطت هذه الإصدارات برقابة شرعية تضمن سلامة الإجراء والتنفيذ من حيث موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ومع ذلك فهي تعاني بعض الصعوبات، ومن المؤكد التغلب عليها في السنوات المقبلة، ومن المشكلات التي تواجهها عدم وجود سوق ثانوية متكاملة لهذه الإصدارات، ويرجع السبب إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدية، وبمتابعتنا للوضع الحالي لسوق الصكوك الإسلامية نستنتج طفرة كبيرة في الإصدارات لم تكن موجودة في السابق.
وأخيراً ستشهد سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي والدول العربية والإسلامية رواجاً كبيراً خلال السنوات المقبلة، خاصة مع توجهات دول المنطقة لإصدار تشريعات تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار صكوك إسلامية، حيث إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية فرضت نفسها في الساحة الدولية بمنتجات، ونستنتج مستقبلا واعدا للسوق الثانوية للصكوك الإسلامية على مدى السنوات العشر المقبلة، ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق، مما يجعلها أداة ممتازة لعمليات الخزانة وعمليات المبادلة. والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية، وإن تطوير هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من علماء المسلمين كافة، في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي، وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي، لما يتميز به من عدالة وإسهام واضح في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة، والله الموفق.
لقد انتشرت هذه الصناعة في دول لم يسمع بها أحد وفتحت أبوابها وتركتها مشرعة للنظام المالي الإسلامي مثل الفلبين ذات الأغلبية المسيحية والهند بسكان معظمهم من الهندوس، وباتت المصرفية الإسلامية محط أنظار خبراء المال على مستوى العالم، حيث حققت الصناعة المالية الإسلامية لأول مرة خلال أربعة عقود من عمرها إنجازاً كبيراً من خلال طرحها الصكوك الإسلامية، مسجلة عديدا من الإنجازات خلال العام الماضي 2010م، بنسبة نمو 28 في المئة، في حين لم تحقق المصارف التقليدية أي معدل نمو يذكر.
ومن ضمن المؤسسات الخليجية التي ينتظر أن تقوم بإصدار صكوك في مطلع العام الجاري: مؤسسة الخليج للاستثمار ومقرها الكويت؛ إذ تعتزم القيام ببرنامج في ماليزيا لجمع 3,5 مليار رينجت ماليزي، وفقاً لأرقام نشرتها الوكالة الدولية (لوكسمبورج)، كما تنوي الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات، ومقرها الخبر، إصدار صكوك بقيمة 1,5 مليار ريال بهدف تمويل توسعات مستقبلية محتملة، وأن هذه الصكوك سيتم إصدارها في الربع الأول من العام الجاري. البنك الأهلي التجاري السعودي، وهو من أكبر البنوك التجارية في المملكة العربية السعودية، ينتظر أن يصدر أول صكوك له في عام 2011 في الربع الثاني. لكن البنك لم يحدد قيمة الصكوك التي سيصدرها، كما بيَنت شركة (اتصالات) في دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستقوم بإصدار صكوك ضمن برنامج قيمته مليار دولار، وهو جزء من برنامج لجمع 8 مليارات دولار لتنويع التمويل وإدارة استحقاقات الديون، أما مجموعة البركة المصرفية، وهي أكبر بنك إسلامي مسجل في سوق البحرين للأوراق المالية، فيتوقع أن تسعى إلى الحصول على 200 مليون دولار من إصدارات صكوك
.وأوضح التقرير أن شركة الكهرباء السعودية، وهي أكبر شركة خدمات في العالم العربي، يتوقع أن تصدر صكوكا عالمية في عام 2011 بعد إصدار صكوك قيمتها 7 مليارات ريال سعودي في أبريل العام الماضي، وفي فرنسا فإن أول صكوك إسلامية يمكن أن تصدر خلال العام الجاري بعد أن أدخلت الحكومة الفرنسية إرشادات بشأن طرح الصكوك، سواء بالدولار الأمريكي أو العملة الأوروبية (اليورو)، حيث تجتهد باريس إلى اجتذاب هذه الصناعة سريعة النمو، كما أعلنت فرنسا افتتاح أول بنك إسلامي فيها بعد موافقة مجلس النواب الفرنسي على تعديل قانون المصارف بما يسمح بفتح مصارف إسلامية. يذكر أن المجلس الفرنسي للمالية الإسلامية سيستضيف مؤتمر "المالية الإسلامية من التكييف إلى التجديد"، وذلك بحضور عدد كبير من خبراء الصناعة وتحت رعاية البنك الإسلامي للتنمية.
ومن ناحية أخرى نسب التقرير إلى رئيس الصيرفة الإسلامية العالمية في بنك كريديت أغريكول، سايمون إيدل، قوله، إن البنك الفرنسي يعمل على عمليتين أو ثلاث عمليات لدول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن تطرح قبل نهاية الربع الأول من العام. وأشار خبراء أن الهند تمضي قدماً في تطبيق مزيد من أنظمة التمويل الإسلامي، وتأتي هذه الخطوة بعد رفضها الدائم خلال السنوات الماضية لتطبيق أي نوع من هذا النظام، فإن الخطوة جاءت على ما يبدو من ضغط المسلمين ورفضهم الدائم للتعامل مع الأدوات الربوية، وعزوف بعض المسلمين عن التعامل مع البنوك التي لا تتوافق نظمُها مع تعاليم الدين الإسلامي.
وتسعي موسكو لبناء نظام مصرفي إسلامي موسع، وتطلب من ماليزيا ودول عربية مساعدتها على وضع وتنفيذ خطة لنظام مالي إسلامي متكامل، على خلفية نمو الطلب على الخدمات المالية الإسلامية فيها، حيث تسعى لأن تكون بوابة لدخول هذه النوعية من الخدمات إلى أوروبا الشرقية. وقال رئيس البنك المركزي في لوكسمبورج إنها دولة صغيرة محشورة في وسط قارة أوروبا ترى في المصرفية الإسلامية مجالا لتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أن المعاملات المالية الإسلامية أخلاقية ومهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي قادرة على خدمة غير المسلمين أيضا، ولهذه المميزات وزيادة الطلب على التعاملات المالية الإسلامية عمدت لوكسمبورج خلال العام الماضي إلى العودة إلى هذه الصناعة، وهي عودة في الحقيقة بسبب أنها كانت لديها مؤسسات بنكية إسلامية في سبعينيات القرن الماضي. في المقابل سعت الحكومة إلى إزالة جميع العقبات القانونية التي تواجه التمويل الإسلامي، وتستعد الآن لتصبح واحدة من المراكز الرائدة في قطاع التمويل الإسلامي في العالم.
يذكر تقرير البنك المركزي المغربي أن رقم معاملات المصارف المغربية المتعلق بهذه الصيغ التمويلية جاء مشجعا نسبياً بخصوص صيغتي المرابحة والإجارة، حيث سجلتا رقم معاملات بلغ 500 مليون درهم "الدرهم المغربي يعادل ثمانية دولارات تقريبا"، إلا أن حصيلة صيغة التمويل بالمشاركة جاءت مخيبة للآمال؛ إذ لم تقدم المصارف على أي عملية تمويل بهذه الصيغة. وتستقبل كابول حدثا مهما، هو الأول في تاريخها، حيث ينظم مهتمون مؤتمرا دوليا يهدف إلى استكشاف فرص التمويل الإسلامي هناك، وتأتي الخطوة بالتعاون مع مركز الهدى للخدمات المصرفية الإسلامية.
وقال الشيخ الزبير مغل، الرئيس التنفيذي للمركز إن أفغانستان هي السوق المتنامية الناشئة لصناعة المالية الإسلامية، حيث إن إجمالي البنوك العاملة في أفغانستان في الوقت الراهن وصل إلى 18 بنكا، بما في ذلك المصارف الأجنبية، بينها عدد من البنوك الإسلامية، ويعتزم عدد من البنوك التقليدية إطلاق عمليات الخدمات المصرفية الإسلامية في المستقبل القريب.
ويتوجه البنك الياباني المركزي على استحياء نحو المصرفية الإسلامية، ففي خطوة جديدة تصدر اليابان صكوكا مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، في خطوة وصفها المراقبون الاقتصاديون بأنها تاريخية، باعتبارها دشنت أول اختراق للصكوك الإسلامية لمجموعة الدول الثماني الكبار وهي مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى وروسيا.
ومع تزايد إقبال الكوريين على الإسلام، تتطلع الجهات المالية إلى اكتساب مزيد من فرص التمويل الإسلامي. وتعلن الحكومة عبر موقعها الإلكتروني الفرص الإيجابية للأزمة المالية العالمية، وكيفية الاستفادة منها، حيث تكشف هذه الدولة الواقعة في شرق آسيا قدرتها على تحويل المحنة إلى منحة، وتتطلع إلى ركوب موجة التمويل الإسلامي والصيرفة الإسلامية لتستفيد من الفرص التي توفرها هذه الصناعة، وتعمل في المقابل على تنظيم مؤتمر دولي للتمويل الإسلامي في العاصمة سيئول.
وتتطلع جيبوتي إلى بناء قاعدة للاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، ولا سيما مع نمو اقتصادها الواعد الذي يدفع بكثير من الدول الكبرى للتسابق إليها، وتتعاون جيبوتي في هذا الخصوص مع دول متقدمة في مجال المصرفية الإسلامية، كما هو الحال مع السعودية والسودان وغيرهما، وتنجح في تنظيم دورة تخصصية في فقه المعاملات المالية في الإسلام تحت شعار نحو مصرفية متميزة، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وبالتنسيق مع لجنة شباب إفريقيا في مكتب الندوة في الرياض، هذا يحدث متزامنا مع تزايد أعداد البنوك الإسلامية.
كما أن الصناعة المالية الإسلامية في موريتانيا تتقدم، ولا سيما في الوقت الحالي، حيث تهتم البلاد بفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات الأجنبية، ويدعو الاقتصاديون هناك إلى ضرورة العمل على إنشاء مزيد من المصارف الإسلامية والترخيص لها لاستقطاب المستثمرين الذين يثقون بهذه المصارف التي نجحت في الآونة الأخيرة في إثبات جدواها في كثير من دول العالم. ويؤكد أكثر المحللين والاقتصاديين الموريتانيين، أن البلاد في حاجة ماسة إلى مزيد من المصارف الإسلامية لإنعاش حركة الاستثمار والسيولة النقدية.
ونظمت إندونيسيا المنتدى الآسيوي للصكوك، وذلك في العاصمة جاكرتا، ليناقش عددا من المواضيع الرئيسة، التي من أهمها تطوير وابتكار الصكوك، إضافة إلى موضوع مهم وهو إدارة المخاطر الشرعية والقانونية وتسوية المنازعات، ويولي المؤتمر أهمية كبيرة لجانب التحكيم في تسوية النزاعات حول الصكوك التي ظهرت على الساحة أخيرا بعد أزمة الصكوك الإسلامية في دبي، إضافة إلى عولمة التمويل الإسلامي وأهمية إعداد الجيل المقبل للتعامل مع التمويل والمصرفية الإسلامية.
ومن المتوقع أن يستمر نمو التمويل الإسلامي على مدى السنوات المقبلة، وبشكل خاص في دول معينة، كالسعودية، التي من المتوقع أن تكون خلال فترة أقل من عقد من الزمن عاصمة التمويل الإسلامي العالمية، وكذا ماليزيا والكويت وغيرهما من الدول الخليجية والعربية والإسلامية والعالمية، وضرورة الابتعاد قدر الإمكان عن محاكاة الصناعة المالية التقليدية، والعمل على ابتكار وتطوير الأدوات المالية.
استشراف آفاق المستقبل
وذكر خبير متخصص أنه كي نستشرف آفاق المستقبل يتطلب الأمر وقفة متأنية مع ما شهده هذا العام من حراك وإنجازات، لقد شهد عام 2010م انعقاد عديد من المؤتمرات والندوات التي تناولت اقتراحات في شتى مجالات الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، كما شهد نقدا للأداء المصرفي الإسلامي، وللمنتجات المصرفية الإسلامية، وعن عام 2011م أعتقد أنه سيشهد تطويراً للتمويل والمصرفية الإسلامية يتناول محاور عدة، أهمها إنشاء البنوك المركزية ومؤسسات النقد هيئات شرعية، تابعة لها تعمل على التنسيق بين الفتاوى على مستوى مختلف البنوك في كل دولة.
وقد رأى المصرفي في بنك يونيكورن، صلاح المجذوب، أن إصدارات الصكوك في المنطقة كانت في تقدم كبير جداً وازدهار قبل حدوث الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالأسواق منذ عام 2008، وأعرب عن اعتقاده بعودة النشاط إلى الأداة المالية الرئيسية، وخصوصاً فيما يتعلق بإصدارات الشركات في المستقبل القريب. وقال المجذوب خلال مؤتمر عن الصيرفة الإسلامية عقد في البحرين في الآونة الأخيرة: (نحن في منطقة الخليج تأثرنا بطرق مختلفة بالنسبة إلى الصكوك التي تصدرها الشركات؛ إذ كان هناك تأخر في الصكوك التي تصدرها الحكومات).
وأوضح أن سوق الصكوك تسير من ازدهار إلى ازدهار، فهناك حاجة كبيرة إلى الصكوك من جهة العرض والطلب لأن المؤسسات والشركات تحتاج إلى إصدارات الصكوك لتمويل المشروعات، ونحن في منطقة تشهد نمواً وكثيرا من المشروعات المستمرة والمقبلة. ومن جهة أخرى هناك أيضاً سيولة كثيفة تبحث عما يسمى بالعائد القليل مقابل المخاطرة القليلة. ويقدر أن المصارف الإسلامية تدير نحو 700 مليار دولار، ويتوقع أن ينمو الرقم إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2012م. وقال ناظم عشار، المدير التنفيذي للشرق الأوسط رئيس الخدمات المصرفية الإسلامية والمجموعة المالية في "إرنست آند يونغ" إن مستويات نمو صناعة التمويل الإسلامي أكثر من 20 في المئة سنويا على مدى السنوات القليلة الماضية، وتعرضت لضغوط هائلة في 2010م، لذا فالمؤسسات المالية الإسلامية في حاجة ماسة إلى تطوير نماذج الأعمال الخاصة بها والبحوث وأدوات للمساعدة في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مسار النمو المستقبلي لأعمالها، حيث إن الأسواق بحاجة إلى أن تدرج بشكل مناسب في مرحلة التخطيط نفسها فضلا عن إمكانات نمو هائلة.
ومن المتوقع أن ينمو التمويل الإسلامي إلى ثلاثة أضعاف خلال عام 2010 للصناديق الإسلامية، وسلط الضوء على الوقف الإسلامي، مع وجود تجمع ثروة تقدر 105 مليارات دولار، حيث شهد القطاع المالي الإسلامي العالمي تشجيع النمو على مدى العقد الماضي، ومن المتوقع أن يكون القطاع المالي الإسلامي في العالم الأسرع نموا في السنوات المقبلة، مع احتمال عالمي يقدر التمويل الإسلامي وعديد من الصفات التي يمكن أن تصلح لطرح الصكوك الإسلامية، وهناك عديد من الهياكل التي يمكن أن تولد عائدات مدفوعة لحاملي الصكوك.
وكان معظم إصدارات الصكوك حتى الآن كليا على أساس الأصول بدلا من الأصول المدعومة في الصكوك المبنية على الأصول، ويقول حاملو الصكوك إن الشركة تسعى إلى زيادة التمويل من خلال إصدار الصكوك، ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الطلب على الصكوك الإسلامية إلى نمو سوق الصكوك. ووفقا لـ"موديز"، فإن سوق الصكوك سوف تزيد على 200 مليار دولار بحلول عام 2011 م، ويتوقع أن تنمو بنسبة تصل إلى 35 في المئة خلال عام 2012م، وقد أدى الطلب المتزايد على المنتجات المالية الإسلامية وأصبحت الدول الغربية أكثر المستثمرين اهتماما بالاستثمار في الصكوك الإسلامية في حين لا تزال تتركز في دول الخليج وماليزيا، وتنمو بسرعة مع الشركات المشاركة من قبل شركات خاصة ومؤسسات الدولة والحكومات ذات السيادة، والمؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات الدولية أيضا من غير المسلمين.
تعد الصكوك من الأدوات المالية الإسلامية الأكثر جذبا للمؤسسات المالية الخليجية والعربية والإسلامية والأجنبية وذلك في ضوء الطلب المتزايد عليها في الأسواق العالمية، خصوصا أن الصكوك الإسلامية ظهرت كواحدة من الأدوات الإسلامية المبتكرة خلال السنوات القليلة الماضية لإصداراتها سواء كانت صكوكا سيادية من حكومات أو صكوكا عادية من شركات، حيث أصبحت القناعة بأهميتها كأداة تمويلية تتميز بكونها مدعومة بأصول حقيقية وذات مخاطر منخفضة؛ ومن ثم فهي أداة جذب للمستثمرين ومصدر مهم لضخ الأموال في المشروعات والتوسعات الكبيرة.
لقد شهدت أسواق المنتجات المالية الإسلامية رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة بفضل وفرة سيولة فوائض النفط، وقد تم توظيفها في استثمارات كبيرة لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ونظراً لكبر حجم هذه السيولة تسعى المصارف الإسلامية والعالمية إلى إصدار الصكوك الإسلامية لتمويل المنتجات المهيكلة في هذه الأسواق، إضافة إلى ذلك بدأت صناديق التحوط وبنوك الاستثمار التقليدي في حيازة هذه الصكوك إما لأغراض زيادة العائد وإما لتنويع نشاطاتها، وينتظر أن يصل حجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار، وتعمل هذه المنتجات المالية على نحو شبيه بالأوراق المالية التقليدية المضمونة بأصول ولكنها مبنية على مبادئ التمويل الإسلامي.
وتؤكد أن يكون الدخل في شكل أرباح تنتج من عمل تتم فيه المشاركة في المخاطر، ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة لها، وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعد خرقاً لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك وهو ما أوقع الشك في كثير من المستثمرين فيها، خاصة المصارف العاملة في الدول الغربية.
وتشترط الشريعة الإسلامية أن يكون مستثمر الصكوك مالكا للأصل الأساسي عن طريق إحدى المؤسسات الاستثمارية، على أن تقوم هذه المؤسسات المالية بتمويل المدفوعات المستحقة للمستثمرين من عائد الاستثمار في نشاط اقتصادي يجيزه المشرع، لذا يجب على هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية إقرار هذه الأنواع من الصكوك، لأن هذه الصكوك تعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي وهي (المرابحة، المشاركة، والمضاربة) أو الإجارة.
لقد أسهم قبول هذه الهياكل الاستثمارية الإسلامية إسهاما كبيرا في تطور أسواق رأس المال المحلية، وتركزت إصدارات الصكوك الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا والدول الغربية، وقد تيسر تطوير سوق الصكوك في هذه البلدان بفضل الزيادة الكبيرة والمستمرة في السيولة بسبب ارتفاع الإيرادات النفطية في دول الخليج العربية، وقد بدأ الإقبال عليها يرتفع، حيث ذكرت تقارير سابقة أن إصدارات الصكوك قفزت في منطقة الخليج عام 2007 إلى نحو 10 مليارات دولار، ومنذ بداية عام 2008 بلغت الإصدارات 12 مليار دولار، الأمر الذي يمهد لقيام سوق كبيرة للصكوك الإسلامية، مع التوجه العالمي نحوها بهدف الاستفادة من السيولة المتوافرة في أسواق الخليج، حيث صدر عديد من صكوك الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا خلال السنوات الأخيرة.
الأسواق الخليجية والصكوك
تتوقع تقارير "موديز" أن أسواقا مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان هي في وضع جيد لإصدار مزيد من الصكوك على مدى السنوات القليلة المقبلة ويستعرض التقرير أيضا التحسن الواضح الذي شهدته سوق الصكوك عام 2009م مقارنة بالتراجع الذي شهدته إصدارات الصكوك في عام 2008م، حيث بدأت مناطق عديدة التأثر بالأزمة المالية العالمية، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا، ولقد ارتفعت إصدارات الكيانات السيادية والكيانات المرتبطة بالحكومة على وجه الخصوص، مما ساعد على ارتفاع حجم الإصدارات العالمية على أساس سنوي بنسبة تتجاوز 50 في المئة.
إن صناعة خدمات التمويل الإسلامي ينبغي لها إجراء بعض التغييرات الجذرية على البنية التحتية المساندة لها، مع قيام الأطراف المؤثرة في السوق والهيئات التي تضع المعايير والجهات الرقابية بالعمل بجد لبناء المزيد من خلال منتجات جديدة ومبتكرة ومعايير وقوانين في تمويل البنية التحتية والمشاريع الحيوية، والعمل على إعطاء الدور للصكوك الإسلامية لإيجاد التمويل اللازم عن طريقها في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، وكيفية تمكين المستثمرين من الاستفادة منها في مجال الخدمات المالية والعمليات المصرفية الإسلامية من منظور إداري وتمويلي وشرعي، ودور هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في الرقابة على المصارف الإسلامية، كما يفترض وجود وحدة للرقابة الشرعية داخل البنوك المركزية لمراقبة أعمال البنوك الإسلامية، حيث إن الصكوك إحدى أهم الأدوات الإسلامية بعد فشل (السندات) في النظام المصرفي التقليدي، وكانت سبب تفجر الأزمة المالية العالمية.
وللصكوك دور كبير في إيجاد التمويل في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، حيث الاستثمار الإسلامي يقوم على حقوق ملكية ولا يقوم على القرض بفائدة، والمستثمر يشارك صاحب التمويل أو المشروع في الربح ويتحمل معه المخاطر، حيث إن دول الخليج تتمتع ببيئة مالية واقتصادية وتشريعية خصبة وبنية تحتية مؤسسية مؤهلة لاستيعاب وإنجاح النظام المالي الإسلامي ومؤسساته من بنوك وشركات تأمين وتمويل واستثمار، وأدوات ومنتجات مالية إسلامية مثل الصكوك الإسلامية وغيرها من المنتجات الإسلامية الأخرى، حيث يتوقع نمو سريع جدا للصناعة المالية الإسلامية في الخليج وسائر البلاد الإسلامية.
إن انتشار الصكوك الإسلامية لم يقتصر على البلاد الإسلامية فقط، بل شهدت الصكوك الإسلامية إقبالا كبيرا في الدول الغربية، وتعد من أفضل وسائل اجتذاب المدخرات وتجميع الأموال لتمويل مشروعات التنمية، خاصة مشروعات البنية التحتية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، كما يمكن الاتجار بها وبيعها بسهولة، ولا يقتصر الإقبال على شرائها على المستثمرين المسلمين فقط، بل يشمل كافة المستثمرين، حيث إن إجازة الصكوك الإسلامية كان لها ما يبرره، وربما أنها كانت بهدف دفع هذه الأدوات المالية إلى الأمام وزيادة الإقبال عليها. إن البعض من العلماء يرى أن الوقت قد حان لمراجعة الفتوى الخاصة بإجازة الصكوك الإسلامية.
كثير من المؤسسات المالية العالمية ترى أن المصرفية الإسلامية باتت بحاجة إلى وضع معايير واضحة وصريحة يمكن الرجوع إليها، وأن مثل هذا التوجه يؤدي بالتالي إلى الاستقرار في هذه الصناعة، ويعتقد كثير من المصرفيين وجود تقارب بشأن بعض المعايير الخاصة بهذه الصناعة التي نمت بسرعة فائقة في الأعوام الأخيرة، والتي يتوقع أن تواصل توسعها في المستقبل، ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعلها أداة ممتازة لعمليات الاستثمار وعمليات المبادلة.
والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية، حيث إن تطوير سوق الصكوك الإسلامية لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من علماء المسلمين كافة في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي، ولعل دخول السندات والصكوك الإسلامية في أسواق الأوراق المالية لبعض الدول الإسلامية يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة تطويرها ـ كما حصل في سوق المملكة العربية السعودية أخيراً - بإطلاق التداول الإلكتروني المباشر للسندات والصكوك الإسلامية التي نتمنى أن تكون سوقاً واعدة ومتميزة للصكوك الإسلامية بعيدا عن الأعمال الربوية المحرمة، ونتطلع إلى أن تحذو الدول الإسلامية الأخرى حذوها للعمل على نمو وازدهار أسواق الصكوك الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية والعالمية، وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها لتلعب دوراً مهماً في استقرار هذه السوق.
لذا على المصارف الإسلامية استنباط قاعدة فقهية مشتركة للاجتهاد الجماعي والمطالبة بإيجاد هيئة شرعية عليا تضم متخصصين مصرفيين وماليين وشرعيين وعلماء في الفقه يتم التنسيق بينهم لتوحيد الفتاوى وتقديمها عند الحاجة، وكذلك تراقب المصرفية الإسلامية وتدعمها بقوانين إسلامية تتلاءم مع طبيعة أعمالها المصرفية. إن عدم التعاون والتنسيق بين المصارف الإسلامية لا يخدم سير العمل المصرفي الإسلامي ولا يدعم التعاون في اقتناص الفرص الاستثمارية وتمويل المشاريع الكبرى، مما يفقدها القدرة على المنافسة.
المطلوب توحيد الجهود
وكي تتمكن المصارف الإسلامية من تحقيق أهدافها لا بد لها من التعاون والتنسيق مع بعضها البعض وتوحيد الجهود بينها، فلا يحق لمصرف إسلامي أن يعمل بمفرده دون الآخر ويتخذ قراراً يخصه دون الرجوع إلى المصارف الإسلامية الأخرى، مما يؤدي إلى الاختلال في سير العمل المصرفي الإسلامي. إن وجود جهات ومؤسسات تنسق بين المصارف الإسلامية، يتم بموجبها توحيد الجهود والعمل المصرفي المشترك وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها، سوف يلعب دورا مهماً في استقرار العمل المصرفي الإسلامي ويشجع على تكوين كيانات مصرفية إسلامية عملاقة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة، والسعي إلى إيجاد سوق إسلامية حرة للعالم الإسلامي تنافس أسواق البنوك التقليدية.
لقد حققت الصكوك الإسلامية قفزات نوعية من حيث العوائد، وحازت على اهتمام السوقين الإسلامية والغربية، وأحيطت هذه الإصدارات برقابة شرعية تضمن سلامة الإجراء والتنفيذ من حيث موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ومع ذلك فهي تعاني بعض الصعوبات، ومن المؤكد التغلب عليها في السنوات المقبلة، ومن المشكلات التي تواجهها عدم وجود سوق ثانوية متكاملة لهذه الإصدارات، ويرجع السبب إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدية، وبمتابعتنا للوضع الحالي لسوق الصكوك الإسلامية نستنتج طفرة كبيرة في الإصدارات لم تكن موجودة في السابق.
وأخيراً ستشهد سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي والدول العربية والإسلامية رواجاً كبيراً خلال السنوات المقبلة، خاصة مع توجهات دول المنطقة لإصدار تشريعات تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار صكوك إسلامية، حيث إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية فرضت نفسها في الساحة الدولية بمنتجات، ونستنتج مستقبلا واعدا للسوق الثانوية للصكوك الإسلامية على مدى السنوات العشر المقبلة، ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق، مما يجعلها أداة ممتازة لعمليات الخزانة وعمليات المبادلة. والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية، وإن تطوير هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من علماء المسلمين كافة، في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي، وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي، لما يتميز به من عدالة وإسهام واضح في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة، والله الموفق.