أكد خبراء مصرفيون التوجه العالمي نحو التعاطي مع المصرفية الإسلامية بشكل جدي، مشيرين إلى توجه بعض الدول الغربية ليس فقط لدراسة مبادئها والأسس التي تقوم عليها، بل نية بعضها تعديل قوانينها المالية لتتواءم معها، في إشارة لفرنسا والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، الذي يدرس فرض قوانين ملزمة للتمويل الإسلامي، الأمر الذي جعلها توضع تحت المجهر العالمي. وأوضح الخبراء أن الأزمة المالية العالمية فتحت الباب لدى المؤسسات الدولية والغربية - جديا - لدراسة المبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي والنظام المصرفي والمالي الإسلامي على وجه التحديد، مؤكدين أن عامي الأزمة المالية العالمية الأخيرين، كما لو كانا عامي المصرفية الإسلامية بامتياز، مشيرين إلى أن تجربتها خلال هذين العامين، تعادل مسيرة الـ30 عاما الماضية من عمرها، مع إقرارهم بأن عقود التمويل الإسلامي لم تسلم من سهام هذه الأزمة والانتقادات الشرعية بل خروج بعضها من الشرع.
من ناحيته، توقع الخبير المصرفي، مسفر الدوسري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن يصبح عام 2011 عام انتشار المصرفية الإسلامية وهجرتها نحو الغرب، مبينا أن كل من فرنسا والولايات المتحدة قامت بإنشاء لجان لدراسة خصائص الاقتصاد الإسلامي، وذلك للاستفادة منها في عملية إعادة تنظيم اقتصاداتها وحل مشكلاتها البنيوية حتى تكون أكثر فاعلية في حل وقدرة على مواجهة أي أزمة مستقبلية، مشيرا إلى أن بعض الاقتصاديين الغربيين قدموا توصيات بتبني مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وذلك لفعاليتها في مواجهة الأخطار المحدقة بالنظام الاقتصادي العالمي الحالي.
وقال: «العالم الغربي لم يكشف جدوى الاقتصاد والمصرفية الإسلامية بشكل قاطع إلا عندما انكشفت سوءة طريقة إدارة العالم لاقتصاده، وفق النظام العالمي الرأسمالي». وأضاف: «ومع أن الأزمة المالية العالمية أخذت تضرب جسد الاقتصاد والنظام المالي الإسلامي كجزء من المنظومة الاقتصادية الكلية، فإن الأخير كانت القوانين الإسلامية بمثابة درء لها من مخاطر هذه الضربة».
ومن هنا، والحديث للدوسري، فإن الأزمة المالية العالمية فتحت باب النقاش الجاد في الدول الاقتصادية الكبرى حول مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وخاصة تحريم الفائدة الخارجة عن شرعه، والمتاجرة في الديون، اللذين كانا السببين الرئيسيين للأزمة الحالية. وأشار الدوسري إلى أن بعض التوصيات التي ينادى بها في الغرب خفض الضريبة إلى 2.5 في المائة، مبينا أن ذلك يتساوى مع فريضة الزكاة في الإسلام، حيث تزايدت المطالبة بالمشاركة في الربح والخسارة في العمليات المصرفية، ويسمونها المصرفية الأخلاقية، وهي على قاعدة «الغنم بالغرم» في الاقتصاد الإسلامي.
ووفقا للخبير المصرفي، أوقفت فرنسا التعامل بالبيع على المكشوف، الممنوع في الشريعة الإسلامية، وكذلك أوقفت الولايات المتحدة العمل بالمشتقات، وذلك لما تنطوي عليه من غموض ومقامرة في هيكليتها، اعترافا بجدوى وفعالية مبادئ الاقتصاد والنظام المالي الإسلامي كحل أمثل للأزمة المالية الحالية.
وأضاف: «إلا أن هذا المنع لا يمكن أن يتجزأ، أي لا يمكن مثلا منع الفائدة في المصارف فقط في حين لا يتم توزيع الثروة على الشعوب من خلال الزكاة والوقف، وكذلك الأمانة والشفافية التي تفتقر إليها الأسواق العالمية». ولفت إلى أن الدول الغربية في خضم هذا الواقع قامت بوضع قوانين لحوكمة الشركات، إلا أنها وجدت أن هذه القوانين، غالبا ما يتم التحايل عليها، مثلما حدث مع قضية الاحتيال الكبرى التي قام بها مادوف، والتي بلغت أكثر من 50 مليار دولار.
وفي هذا الصدد أشار الدوسري إلى أن الصكوك واجهت في عام 2010 مصاعب عدة، أورد منها أهم اثنين، الأولى، مدى شرعية عقود الصكوك، والثانية تتعلق بسابقتها من جهة وهي الهيكلة القانونية للصكوك، مبينا أن ذلك العام شهد عدة انهيارات لإفلاسات الصكوك، كما في شركة آيست كاميرون للتنقيب عن البترول في الولايات المتحدة مع أن قاضي الإفلاس الأميركي رفض تقديم حملة الصكوك على حملة السندات، كما رفض تحكيم الشريعة فيما يخص الصكوك، وما زالت القضية منظورة في محكمة الإفلاس الأميركية.
وعلاوة على ذلك، فإنه، وبحسب الدوسري، هناك أمور إيجابية تحسب للمصرفية الإسلامية في العامين الماضيين، وهي التوجه العالمي لدراسة مبادئها والأسس التي تقوم عليها، وخصوصا في خضم هذه الأزمة التي ضربت الأسواق المالية. وقال: «دولة تقوم على المعاداة الشديدة للدين مثل فرنسا، أخذت تدرس أسس التمويل الإسلامي لتعديل قوانينها المالية لتتواءم معه.
وكذلك المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، الذي يدرس فرض قوانين ملزمة للتمويل الإسلامي، والذي أرى شخصيا أنها ستكون الانطلاقة الحقيقية للمصرفية الإسلامية على نطاق عالمي». وكانت دراسة دولية صدرت مؤخرا كشفت أن نمو القطاع المصرفي الإسلامي يتراوح بين 15 إلى 20 في المائة سنويا، مبينة أن حجم الأصول فيه في العالم بلغ تريليون دولار، مفصحة عن أن 66 في المائة من القائمين على مؤسسات التمويل والصيرفة الإسلامية يعتقدون أن التمويل والصيرفة الإسلامية دون مستوى التنظيم والإشراف الواجب توافرهما في القطاع.
وأكدت دراسة حديثة أصدرها مركز «ديلويت» للمعرفة وقيادة صناعة التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط، وجود عدد من التحديات التي تواجه المؤسسات المالية الإسلامية في ظل التراجع في النمو الاقتصادي الحالي واستقراء الحلول للنهوض بالصناعة لكي تلعب الدور المهم المنوط بها في اقتصاد الشرق الأوسط. من جهته، أوضح ديفيد داود، خبير التمويل الإسلامي الدولي في مركز «ديلويت»، أن الولايات المتحدة بدأت تهتم بالمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وبالفعل استدعت مجموعة من المفكرين في هذا المجال، للاستفادة من قوانينه ومعاييره في تقويم الوضع المالي المتأزم في أميركا بسبب انهيار وضعها الاقتصادي بسبب الأزمة المالية العالمية؛ حيث إنها أعلنت عن إفلاس أكثر من 130 بنكا حتى الآن، وربما يتزايد العدد مستقبلا.
وأوضح أن المعايير الدولية تختلف إلى حد ما مع المعايير الإسلامية الشرعية، مع وجود توافق في نواح متعددة؛ لذلك يرى أنه لا بد من اعتماد مبادرة لتقليص مغايرات المعايير المحاسبية بهدف التوصل إلى التقاء معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية مع المعايير الدولية للتقارير المالية، وهذا برأيه أمر مهم للغاية ما دام هناك شبه إجماع من كبار القائمين على مجال الصيرفة الإسلامية في العالم، على اعتبار أن مؤسسات التمويل والصيرفة الإسلامية لا تزال متأخرة نسبيا في مجال تطبيق أنظمة إدارة المخاطر.
ويعتقد أن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ينقصها نظام إدارة مخاطر كفء، يتماشى مع المعايير العالمية، مما يعني ضرورة اتباع معايير عالمية تمكن تلك المؤسسات من إدارة مخاطر التشغيل في كياناتها الإسلامية المتعددة. وهنا تبرز برأيه حاجة ماسة لترسيخ مفهوم الحوكمة في العمليات الإدارية، ومن ثم اتباع أفضل الممارسات واعتماد المعايير المقبولة دوليا في حوكمة المؤسسات، بشكل يضمن حقوق المساهمين بما لا يلحق الضرر بحقوق المستثمرين وأصحاب الودائع.
ومع ذلك، يعتقد داوود أن المنتجات الإسلامية والمصرفية الإسلامية حققت نجاحات كبيرة، وخرجت من الأزمة المالية بأقل الخسائر، وهذا يعود إلى أن للبنوك الإسلامية حساسية عالية في التعامل مع المخاطر العالية، فهي لا تتعامل مع المشتقات، بمعنى أنها تلجأ إلى الاستثمار في المنتجات والمجالات التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مثل بيع المال بالمال، كما أنها لا تعطي الحق في بيع ما لا تملك بيعه، سواء أكان ذلك متعلقا بالمشتقات أم له علاقة بالاقتصاد.
ويرى أن هذا الواقع حفَّز كثيرا من البنوك والمؤسسات المالية التقليدية، في كثير من البلاد الغربية، بما في ذلك أستراليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلاد الغربية، أن تحاول معالجة منتجاتها التقليدية وفق ما تعالج به المنتجات الإسلامية. وأكد داوود أن المؤسسات المالية الإسلامية استرعت انتباه المسؤولين في تلك البلاد، فزيارة وزير المالية الأسترالي للإمارات، مؤخرا، كانت محطة للوقوف على تجربة المصرفية الإسلامية فيها، فوعد إثر ذلك أن يخفض الضرائب، وأبدى رغبة جامحة في معرفة تفاصيل العمل في التمويل المصرفي، وهذا توجه بدأت به بريطانيا والصين وغيرهما من بلاد العالم الأخرى؛ حيث بدأت في التركيز على الصكوك كنوع من التنويع في مجال الاستثمارات.
وينظر إلى مستقبل التمويل والمصرفية الإسلاميين في العالم الغربي في ظل وجود جاليات إسلامية كبيرة به، بأنه أحد دعامات وتعزيز إشاعة ثقافة التعامل مع المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، مشيرا إلى أن نسبة أصول قطاع الصيرفة الإسلامية ما زالت ضئيلة ولا تشكل سوى 1 في المائة من مجمل الأصول في العالم، إلا أنه يتوقع لها النمو سريعا، خاصة بناء على ما تشير إليه التقارير بارتفاع عدد المسلمين في العالم، وهو ما سيزيد من أعداد المتعاملين بالمنتجات الإسلامية.
وهناك دراسة تفيد بأنه سيصبح نصف سكان العالم في 2050 من المسلمين، مما يعني زيادة الاهتمام والقبول للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وهذا بدوره سيزيد من حجم الأصول، وتزايد الحاجة للتوسع في المصرفية الإسلامية. والواقع يدلل على ذلك؛ حيث إنه زاد عدد الدول التي تتعاطى مع المصرفية الإسلامية من 30 دولة قبل 30 سنة إلى 80 دولة في طريقها للزيادة.
وأكد داود أن وجود المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة بكم كبير أثر تأثيرا إيجابيا كبيرا على تسويق المنتجات الإسلامية والتعاطي معها من قبل غير المسلمين، ومن ثم تسويقها وإبانة قدرتها على تجاوز التحديات التي تواجه النظام المالي العالمي، شريطة أن تكون تلك المنتجات على قدر عال من الكفاءة والجدوى الاقتصادية، التي تمكنها من إثبات ذلك بالدليل. غير أن داود عاد فقال: «إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ينقصها نظام إدارة مخاطر كفء، يتماشى مع المعايير العالمية»، مبينا أن كل المؤسسات والمصارف بدأت حاليا، تطبيق مبدأ السيطرة الداخلية بجانب التدقيق الداخلي، حتى تستطيع الحصول على استقراء للمستقبل يمكنها من مجابهة أي خطر مفاجئ، كالذي واجه شركة «بتروليوم» البريطانية، وكبدها خسائر تفوق الـ60 مليار دولار.
وأشار إلى أن ذلك يدعو إلى ضرورة اتباع معايير عالمية تمكن تلك المؤسسات من إدارة مخاطر التشغيل في كياناتها الإسلامية المتعددة، إذ إن 50 في المائة من المشاركين في استطلاع هذه الدراسة كانوا يعتقدون أنه ليس هناك نظام أدوات مخاطر يعنى بالمنتجات الإسلامية، مشددا على ضرورة ترسيخ مفهوم الحوكمة في العمليات الإدارية، ومن ثم اتباع أفضل الممارسات واعتماد المعايير المقبولة دوليا في حوكمة المؤسسات. وأقر بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجه انتشار الصناعة في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلاد غير الإسلامية، مؤكدا على أن تطوير الأنظمة والمنتجات سيمهد الطريق لانتشارها في أوروبا وأميركا.
وأوضح أن خضوع المصارف الإسلامية لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، في ظل نقص الموارد البشرية المؤهلة، مع عدم تطور منتجاتها وابتكار الجديد منها، أعاق انطلاقتها وانتشارها بالشكل المطلوب في تلك البلاد. ودعا لضرورة تضافر الجهود لاكتمال البنية التحتية، منها إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة تكون ملمة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، مع ضرورة زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة والخدمات المالية، مع توسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية وتطبيق معاييرها. ولفت إلى أهمية العمل على دمج المصارف الصغيرة للاستفادة من مزايا الاقتصادات الكبيرة، مع ضرورة الاهتمام بالاستثمار في تدريب وتثقيف الموارد البشرية للعب دور إيجابي في هذا الاتجاه.
أما الخبير المصرفي الدكتور حسني الخولي، فقد أقر في حديث سابق له بأن صناعة المصرفية الإسلامية تواجه حزمة من التحديات، على الرغم من إنجازها للكثير من النجاحات فيما يتعلق بالمنتجات والصيغ المتطابقة مع الشرع، إلى جانب المعايير المنجزة، وتلك التي في الطريق لإنجازها من حيث موجودات وأرباح تلك المصارف. وأضاف الخولي أن المصارف المتوافقة مع الشرع، ما زالت تخضع لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، بل تحصرها وتقيد انطلاقتها، موضحا أن الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف المتوافقة مع الشرع تحتاج إلى تطوير لتناسب المتطلبات، والاحتياجات المستقبلية إلى جانب النقص الحاد في الموارد البشرية والمرشح للازدياد، في ظل التوسع الذي سيشهده المستقبل القريب في إعداد المصارف، وتنوع الخدمات التي ستقدمها. وأكد الخولي أن الاهتمام بالمعايير الدولية ضرورة عصرية شريطة أن يتم تطويعها بما يوافق القوانين الإسلامية، مبينا أن الحاجة ماسة لمراجعة أخطاء الماضي وتطوير المنتج، موضحا أن انتشار المصرفية الإسلامية والمساعدة على التعاطي معها في أوروبا وأميركا وغيرها من بلاد العالم غير الإسلامي، لا يتأتى إلا بالعمل الجاد نحو تأسيس بنية تحتية، تمهّد لإنشاء مجلس أعلى للفتوى يشتمل على نخبة متميزة من خبراء المصرفية الإسلامية والاقتصاد والشريعة والقانون.
ودعا الخولي إلى ضرورة تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية، مشيرا إلى أن الخطر الأكبر الذي يواجه صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل في الدول الغربية الالتباس الذي يحدثه اختلاف الفتاوى واختلاف شكل المنتج الإسلامي من دولة إلى دولة أخرى. بينما يرى المحلل المالي عبد الرحمن بخيت العطا، أن توحيد المعايير التشريعية للصناعة هو التحدي الأصعب أمام المصرفية الإسلامية لكي تواصل انتشارها في الدول الغربية، مبينا وجود مدرستين مختلفتين تماما في المصرفية الإسلامية، إحداهما توجد في دول الخليج، وتوجد الأخرى في ماليزيا في الوقت الذي تحتكم فيه المصرفية الإسلامية في بريطانيا بالقوانين البريطانية.
وبرأي العطا فإن المنتجات في هاتين المنطقتين تقوم على أسس مختلفة عن بعضها، مبينا أنه في داخل المدرسة الواحدة، لا وجود لمعايير محددة وثابتة ومعتمدة في معظم الدول التي يتوقع منها أن تصدر الصناعة، مشيرا إلى أن الأمر قد يكون مقبولا عندما يكون القضاء شرعيا، حيث يبت القضاء الشرعي في مواطن الخلاف بناء على المفاهيم الشرعية المعروفة، وهو ما يتفق في معظم الأحيان مع تصور من صاغ هذه المنتجات والعقود، ومع اللجان الشرعية التي أجازتها ابتداء، إلا أن هذا الأمر برأي العطا سيكون مستحيلا عند الإحالة إلى الأنظمة التي لا تميز الشرعي عن غيره من القوانين التقليدية. ويعتقد أن وجود قاعدة تشريعية أمر مهم لتطوير مسيرة المصرفية الإسلامية داخل إطار الدول الإسلامية، ولكنه أمر ضروري ولا مناص عنه، إذا ما أرادت الصناعة الانتشار خارج هذا الإطار، حيث لا بد من وجود أطر تشريعية يمكن اللجوء إليها في حال وجود خلاف ما، مع مراعاة شرعيته في أحوال الاحتكام عند وجود خلاف ما، مضيفا أنه من التحديات التي تواجه انتشار المصرفية الإسلامية في الدول الغربية، نقص الخبرات والكفاءات في هذا المجال، بدءا بأعضاء اللجان الشرعية، ومرورا بالمختصين بتطوير وهيكلة منتجات التمويل والاستثمار الإسلامية، في ظل ندرة عدد أعضاء اللجان الشرعية مقارنة بالنوافذ الإسلامية الموجودة في تلك البلاد.
وأوضح العطا أنه على الرغم من أن الصناعة ليست موجهة للمسلمين فقط، فإن الشريحة الأكثر اهتماما بها هي الشريحة المسلمة، وبالتالي فإن تحديد الدول التي تستطيع المصرفية الإسلامية النهوض منها في الدول الغربية هو تحد في حد ذاته، وذلك عبر دراسات دقيقة لنسب المسلمين واحتياجاتهم في الدول التي من الممكن البدء بها، مشيرا إلى أن الفروق الحقيقية في جوهر المعاملات الإسلامية وإظهار الجوانب الأخلاقية به، سواء المتعلقة بطريقة الاستثمار والتمويل وأهدافها، مؤكدا أن تسويق الصناعة على أساس كونها صناعة أخلاقية سيسهم في جذب سوق إضافية خارج دائرة المسلمين.
ودعا إلى إيجاد رقابة مركزية على تنفيذ المعاملات داخل الدول الرائدة في الصناعة حاليا، لمعالجة مصداقية العمل المصرفي الإسلامي وتجنب مسائل التشكيك والخلاف، لتطويرها وتصديرها، كما أن الصناعة برأيه تصدر كحزمة متكاملة، واختفاء الدور الرقابي في دول تعتبر رائدة في المجال سيصعب من أمر نقل التجربة خارجيا.
ومع ذلك يعتقد العطا أن هناك حزمة تحديات تواجه انتشار صناعة المصرفية الإسلامية في الغرب تحديدا، حيث غياب الوعي الفكري المغذى بالفهم الإسلامي الصحيح، في ظل غياب بعض المعايير التي يجب معالجتها في الغرب لتواكب وتلائم المصرفية الإسلامية، حتى تسهم في زيادة مساحة انتشارها في الغرب، من خلال معالجة السياسات النقدية المصرفية وسياسات التمويل بجميع أنواعه، وكذلك القضاء على سعر الفائدة ليتدنى إلى أقل درجة ممكنة، من خلال أجندة دورية، بالتنسيق مع الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي، إلى جانب علماء المجمع الفقهي الإسلامي وغيره من المؤسسات الدعوية الأخرى، التي من شأنها أن تدفع الغرب إلى الاعتراف بأن المصرفية الإسلامية أساس مصرفي خال من عيوب النظام المصرفي الرأسمالي.
وأكد أن أكثر المخاطر التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في الدول الغربية تكمن في اعتبار النظام المصرفي مخرجا فقط للأزمة، وليس أجندة بفهم عميق وإيمان راسخ، مع ملاحظة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي، وكذا التمويل الإسلامي فقط لدى فئة قلة تؤمن بالفهم الإسلامي ومفاهيمه باعتباره عقيدة وليس وسيلة، مشيرا إلى أنه من المخاطر تجرد الغرب من الفهم الأولي لمبادئ الاقتصاد الإسلامي وصعوبة تقبله للفكر والنظام المالي والاقتصادي الإسلامي، في ظل تدني الرؤية لدى الكثير من الغربيين عن مستوى الفكر الإسلامي ومقارنته على الدوام بالفهم التقليدي، وكذلك وجود مخاطر أخرى مثل الإرهاب والجهل والمرض.. للخروج من هذه المخاطر.
الشرق الأوسط،
وقال: «العالم الغربي لم يكشف جدوى الاقتصاد والمصرفية الإسلامية بشكل قاطع إلا عندما انكشفت سوءة طريقة إدارة العالم لاقتصاده، وفق النظام العالمي الرأسمالي». وأضاف: «ومع أن الأزمة المالية العالمية أخذت تضرب جسد الاقتصاد والنظام المالي الإسلامي كجزء من المنظومة الاقتصادية الكلية، فإن الأخير كانت القوانين الإسلامية بمثابة درء لها من مخاطر هذه الضربة».
ومن هنا، والحديث للدوسري، فإن الأزمة المالية العالمية فتحت باب النقاش الجاد في الدول الاقتصادية الكبرى حول مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وخاصة تحريم الفائدة الخارجة عن شرعه، والمتاجرة في الديون، اللذين كانا السببين الرئيسيين للأزمة الحالية. وأشار الدوسري إلى أن بعض التوصيات التي ينادى بها في الغرب خفض الضريبة إلى 2.5 في المائة، مبينا أن ذلك يتساوى مع فريضة الزكاة في الإسلام، حيث تزايدت المطالبة بالمشاركة في الربح والخسارة في العمليات المصرفية، ويسمونها المصرفية الأخلاقية، وهي على قاعدة «الغنم بالغرم» في الاقتصاد الإسلامي.
ووفقا للخبير المصرفي، أوقفت فرنسا التعامل بالبيع على المكشوف، الممنوع في الشريعة الإسلامية، وكذلك أوقفت الولايات المتحدة العمل بالمشتقات، وذلك لما تنطوي عليه من غموض ومقامرة في هيكليتها، اعترافا بجدوى وفعالية مبادئ الاقتصاد والنظام المالي الإسلامي كحل أمثل للأزمة المالية الحالية.
وأضاف: «إلا أن هذا المنع لا يمكن أن يتجزأ، أي لا يمكن مثلا منع الفائدة في المصارف فقط في حين لا يتم توزيع الثروة على الشعوب من خلال الزكاة والوقف، وكذلك الأمانة والشفافية التي تفتقر إليها الأسواق العالمية». ولفت إلى أن الدول الغربية في خضم هذا الواقع قامت بوضع قوانين لحوكمة الشركات، إلا أنها وجدت أن هذه القوانين، غالبا ما يتم التحايل عليها، مثلما حدث مع قضية الاحتيال الكبرى التي قام بها مادوف، والتي بلغت أكثر من 50 مليار دولار.
وفي هذا الصدد أشار الدوسري إلى أن الصكوك واجهت في عام 2010 مصاعب عدة، أورد منها أهم اثنين، الأولى، مدى شرعية عقود الصكوك، والثانية تتعلق بسابقتها من جهة وهي الهيكلة القانونية للصكوك، مبينا أن ذلك العام شهد عدة انهيارات لإفلاسات الصكوك، كما في شركة آيست كاميرون للتنقيب عن البترول في الولايات المتحدة مع أن قاضي الإفلاس الأميركي رفض تقديم حملة الصكوك على حملة السندات، كما رفض تحكيم الشريعة فيما يخص الصكوك، وما زالت القضية منظورة في محكمة الإفلاس الأميركية.
وعلاوة على ذلك، فإنه، وبحسب الدوسري، هناك أمور إيجابية تحسب للمصرفية الإسلامية في العامين الماضيين، وهي التوجه العالمي لدراسة مبادئها والأسس التي تقوم عليها، وخصوصا في خضم هذه الأزمة التي ضربت الأسواق المالية. وقال: «دولة تقوم على المعاداة الشديدة للدين مثل فرنسا، أخذت تدرس أسس التمويل الإسلامي لتعديل قوانينها المالية لتتواءم معه.
وكذلك المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، الذي يدرس فرض قوانين ملزمة للتمويل الإسلامي، والذي أرى شخصيا أنها ستكون الانطلاقة الحقيقية للمصرفية الإسلامية على نطاق عالمي». وكانت دراسة دولية صدرت مؤخرا كشفت أن نمو القطاع المصرفي الإسلامي يتراوح بين 15 إلى 20 في المائة سنويا، مبينة أن حجم الأصول فيه في العالم بلغ تريليون دولار، مفصحة عن أن 66 في المائة من القائمين على مؤسسات التمويل والصيرفة الإسلامية يعتقدون أن التمويل والصيرفة الإسلامية دون مستوى التنظيم والإشراف الواجب توافرهما في القطاع.
وأكدت دراسة حديثة أصدرها مركز «ديلويت» للمعرفة وقيادة صناعة التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط، وجود عدد من التحديات التي تواجه المؤسسات المالية الإسلامية في ظل التراجع في النمو الاقتصادي الحالي واستقراء الحلول للنهوض بالصناعة لكي تلعب الدور المهم المنوط بها في اقتصاد الشرق الأوسط. من جهته، أوضح ديفيد داود، خبير التمويل الإسلامي الدولي في مركز «ديلويت»، أن الولايات المتحدة بدأت تهتم بالمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وبالفعل استدعت مجموعة من المفكرين في هذا المجال، للاستفادة من قوانينه ومعاييره في تقويم الوضع المالي المتأزم في أميركا بسبب انهيار وضعها الاقتصادي بسبب الأزمة المالية العالمية؛ حيث إنها أعلنت عن إفلاس أكثر من 130 بنكا حتى الآن، وربما يتزايد العدد مستقبلا.
وأوضح أن المعايير الدولية تختلف إلى حد ما مع المعايير الإسلامية الشرعية، مع وجود توافق في نواح متعددة؛ لذلك يرى أنه لا بد من اعتماد مبادرة لتقليص مغايرات المعايير المحاسبية بهدف التوصل إلى التقاء معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية مع المعايير الدولية للتقارير المالية، وهذا برأيه أمر مهم للغاية ما دام هناك شبه إجماع من كبار القائمين على مجال الصيرفة الإسلامية في العالم، على اعتبار أن مؤسسات التمويل والصيرفة الإسلامية لا تزال متأخرة نسبيا في مجال تطبيق أنظمة إدارة المخاطر.
ويعتقد أن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ينقصها نظام إدارة مخاطر كفء، يتماشى مع المعايير العالمية، مما يعني ضرورة اتباع معايير عالمية تمكن تلك المؤسسات من إدارة مخاطر التشغيل في كياناتها الإسلامية المتعددة. وهنا تبرز برأيه حاجة ماسة لترسيخ مفهوم الحوكمة في العمليات الإدارية، ومن ثم اتباع أفضل الممارسات واعتماد المعايير المقبولة دوليا في حوكمة المؤسسات، بشكل يضمن حقوق المساهمين بما لا يلحق الضرر بحقوق المستثمرين وأصحاب الودائع.
ومع ذلك، يعتقد داوود أن المنتجات الإسلامية والمصرفية الإسلامية حققت نجاحات كبيرة، وخرجت من الأزمة المالية بأقل الخسائر، وهذا يعود إلى أن للبنوك الإسلامية حساسية عالية في التعامل مع المخاطر العالية، فهي لا تتعامل مع المشتقات، بمعنى أنها تلجأ إلى الاستثمار في المنتجات والمجالات التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مثل بيع المال بالمال، كما أنها لا تعطي الحق في بيع ما لا تملك بيعه، سواء أكان ذلك متعلقا بالمشتقات أم له علاقة بالاقتصاد.
ويرى أن هذا الواقع حفَّز كثيرا من البنوك والمؤسسات المالية التقليدية، في كثير من البلاد الغربية، بما في ذلك أستراليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلاد الغربية، أن تحاول معالجة منتجاتها التقليدية وفق ما تعالج به المنتجات الإسلامية. وأكد داوود أن المؤسسات المالية الإسلامية استرعت انتباه المسؤولين في تلك البلاد، فزيارة وزير المالية الأسترالي للإمارات، مؤخرا، كانت محطة للوقوف على تجربة المصرفية الإسلامية فيها، فوعد إثر ذلك أن يخفض الضرائب، وأبدى رغبة جامحة في معرفة تفاصيل العمل في التمويل المصرفي، وهذا توجه بدأت به بريطانيا والصين وغيرهما من بلاد العالم الأخرى؛ حيث بدأت في التركيز على الصكوك كنوع من التنويع في مجال الاستثمارات.
وينظر إلى مستقبل التمويل والمصرفية الإسلاميين في العالم الغربي في ظل وجود جاليات إسلامية كبيرة به، بأنه أحد دعامات وتعزيز إشاعة ثقافة التعامل مع المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، مشيرا إلى أن نسبة أصول قطاع الصيرفة الإسلامية ما زالت ضئيلة ولا تشكل سوى 1 في المائة من مجمل الأصول في العالم، إلا أنه يتوقع لها النمو سريعا، خاصة بناء على ما تشير إليه التقارير بارتفاع عدد المسلمين في العالم، وهو ما سيزيد من أعداد المتعاملين بالمنتجات الإسلامية.
وهناك دراسة تفيد بأنه سيصبح نصف سكان العالم في 2050 من المسلمين، مما يعني زيادة الاهتمام والقبول للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وهذا بدوره سيزيد من حجم الأصول، وتزايد الحاجة للتوسع في المصرفية الإسلامية. والواقع يدلل على ذلك؛ حيث إنه زاد عدد الدول التي تتعاطى مع المصرفية الإسلامية من 30 دولة قبل 30 سنة إلى 80 دولة في طريقها للزيادة.
وأكد داود أن وجود المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة بكم كبير أثر تأثيرا إيجابيا كبيرا على تسويق المنتجات الإسلامية والتعاطي معها من قبل غير المسلمين، ومن ثم تسويقها وإبانة قدرتها على تجاوز التحديات التي تواجه النظام المالي العالمي، شريطة أن تكون تلك المنتجات على قدر عال من الكفاءة والجدوى الاقتصادية، التي تمكنها من إثبات ذلك بالدليل. غير أن داود عاد فقال: «إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ينقصها نظام إدارة مخاطر كفء، يتماشى مع المعايير العالمية»، مبينا أن كل المؤسسات والمصارف بدأت حاليا، تطبيق مبدأ السيطرة الداخلية بجانب التدقيق الداخلي، حتى تستطيع الحصول على استقراء للمستقبل يمكنها من مجابهة أي خطر مفاجئ، كالذي واجه شركة «بتروليوم» البريطانية، وكبدها خسائر تفوق الـ60 مليار دولار.
وأشار إلى أن ذلك يدعو إلى ضرورة اتباع معايير عالمية تمكن تلك المؤسسات من إدارة مخاطر التشغيل في كياناتها الإسلامية المتعددة، إذ إن 50 في المائة من المشاركين في استطلاع هذه الدراسة كانوا يعتقدون أنه ليس هناك نظام أدوات مخاطر يعنى بالمنتجات الإسلامية، مشددا على ضرورة ترسيخ مفهوم الحوكمة في العمليات الإدارية، ومن ثم اتباع أفضل الممارسات واعتماد المعايير المقبولة دوليا في حوكمة المؤسسات. وأقر بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجه انتشار الصناعة في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلاد غير الإسلامية، مؤكدا على أن تطوير الأنظمة والمنتجات سيمهد الطريق لانتشارها في أوروبا وأميركا.
وأوضح أن خضوع المصارف الإسلامية لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، في ظل نقص الموارد البشرية المؤهلة، مع عدم تطور منتجاتها وابتكار الجديد منها، أعاق انطلاقتها وانتشارها بالشكل المطلوب في تلك البلاد. ودعا لضرورة تضافر الجهود لاكتمال البنية التحتية، منها إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة تكون ملمة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، مع ضرورة زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة والخدمات المالية، مع توسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية وتطبيق معاييرها. ولفت إلى أهمية العمل على دمج المصارف الصغيرة للاستفادة من مزايا الاقتصادات الكبيرة، مع ضرورة الاهتمام بالاستثمار في تدريب وتثقيف الموارد البشرية للعب دور إيجابي في هذا الاتجاه.
أما الخبير المصرفي الدكتور حسني الخولي، فقد أقر في حديث سابق له بأن صناعة المصرفية الإسلامية تواجه حزمة من التحديات، على الرغم من إنجازها للكثير من النجاحات فيما يتعلق بالمنتجات والصيغ المتطابقة مع الشرع، إلى جانب المعايير المنجزة، وتلك التي في الطريق لإنجازها من حيث موجودات وأرباح تلك المصارف. وأضاف الخولي أن المصارف المتوافقة مع الشرع، ما زالت تخضع لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، بل تحصرها وتقيد انطلاقتها، موضحا أن الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف المتوافقة مع الشرع تحتاج إلى تطوير لتناسب المتطلبات، والاحتياجات المستقبلية إلى جانب النقص الحاد في الموارد البشرية والمرشح للازدياد، في ظل التوسع الذي سيشهده المستقبل القريب في إعداد المصارف، وتنوع الخدمات التي ستقدمها. وأكد الخولي أن الاهتمام بالمعايير الدولية ضرورة عصرية شريطة أن يتم تطويعها بما يوافق القوانين الإسلامية، مبينا أن الحاجة ماسة لمراجعة أخطاء الماضي وتطوير المنتج، موضحا أن انتشار المصرفية الإسلامية والمساعدة على التعاطي معها في أوروبا وأميركا وغيرها من بلاد العالم غير الإسلامي، لا يتأتى إلا بالعمل الجاد نحو تأسيس بنية تحتية، تمهّد لإنشاء مجلس أعلى للفتوى يشتمل على نخبة متميزة من خبراء المصرفية الإسلامية والاقتصاد والشريعة والقانون.
ودعا الخولي إلى ضرورة تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية، مشيرا إلى أن الخطر الأكبر الذي يواجه صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل في الدول الغربية الالتباس الذي يحدثه اختلاف الفتاوى واختلاف شكل المنتج الإسلامي من دولة إلى دولة أخرى. بينما يرى المحلل المالي عبد الرحمن بخيت العطا، أن توحيد المعايير التشريعية للصناعة هو التحدي الأصعب أمام المصرفية الإسلامية لكي تواصل انتشارها في الدول الغربية، مبينا وجود مدرستين مختلفتين تماما في المصرفية الإسلامية، إحداهما توجد في دول الخليج، وتوجد الأخرى في ماليزيا في الوقت الذي تحتكم فيه المصرفية الإسلامية في بريطانيا بالقوانين البريطانية.
وبرأي العطا فإن المنتجات في هاتين المنطقتين تقوم على أسس مختلفة عن بعضها، مبينا أنه في داخل المدرسة الواحدة، لا وجود لمعايير محددة وثابتة ومعتمدة في معظم الدول التي يتوقع منها أن تصدر الصناعة، مشيرا إلى أن الأمر قد يكون مقبولا عندما يكون القضاء شرعيا، حيث يبت القضاء الشرعي في مواطن الخلاف بناء على المفاهيم الشرعية المعروفة، وهو ما يتفق في معظم الأحيان مع تصور من صاغ هذه المنتجات والعقود، ومع اللجان الشرعية التي أجازتها ابتداء، إلا أن هذا الأمر برأي العطا سيكون مستحيلا عند الإحالة إلى الأنظمة التي لا تميز الشرعي عن غيره من القوانين التقليدية. ويعتقد أن وجود قاعدة تشريعية أمر مهم لتطوير مسيرة المصرفية الإسلامية داخل إطار الدول الإسلامية، ولكنه أمر ضروري ولا مناص عنه، إذا ما أرادت الصناعة الانتشار خارج هذا الإطار، حيث لا بد من وجود أطر تشريعية يمكن اللجوء إليها في حال وجود خلاف ما، مع مراعاة شرعيته في أحوال الاحتكام عند وجود خلاف ما، مضيفا أنه من التحديات التي تواجه انتشار المصرفية الإسلامية في الدول الغربية، نقص الخبرات والكفاءات في هذا المجال، بدءا بأعضاء اللجان الشرعية، ومرورا بالمختصين بتطوير وهيكلة منتجات التمويل والاستثمار الإسلامية، في ظل ندرة عدد أعضاء اللجان الشرعية مقارنة بالنوافذ الإسلامية الموجودة في تلك البلاد.
وأوضح العطا أنه على الرغم من أن الصناعة ليست موجهة للمسلمين فقط، فإن الشريحة الأكثر اهتماما بها هي الشريحة المسلمة، وبالتالي فإن تحديد الدول التي تستطيع المصرفية الإسلامية النهوض منها في الدول الغربية هو تحد في حد ذاته، وذلك عبر دراسات دقيقة لنسب المسلمين واحتياجاتهم في الدول التي من الممكن البدء بها، مشيرا إلى أن الفروق الحقيقية في جوهر المعاملات الإسلامية وإظهار الجوانب الأخلاقية به، سواء المتعلقة بطريقة الاستثمار والتمويل وأهدافها، مؤكدا أن تسويق الصناعة على أساس كونها صناعة أخلاقية سيسهم في جذب سوق إضافية خارج دائرة المسلمين.
ودعا إلى إيجاد رقابة مركزية على تنفيذ المعاملات داخل الدول الرائدة في الصناعة حاليا، لمعالجة مصداقية العمل المصرفي الإسلامي وتجنب مسائل التشكيك والخلاف، لتطويرها وتصديرها، كما أن الصناعة برأيه تصدر كحزمة متكاملة، واختفاء الدور الرقابي في دول تعتبر رائدة في المجال سيصعب من أمر نقل التجربة خارجيا.
ومع ذلك يعتقد العطا أن هناك حزمة تحديات تواجه انتشار صناعة المصرفية الإسلامية في الغرب تحديدا، حيث غياب الوعي الفكري المغذى بالفهم الإسلامي الصحيح، في ظل غياب بعض المعايير التي يجب معالجتها في الغرب لتواكب وتلائم المصرفية الإسلامية، حتى تسهم في زيادة مساحة انتشارها في الغرب، من خلال معالجة السياسات النقدية المصرفية وسياسات التمويل بجميع أنواعه، وكذلك القضاء على سعر الفائدة ليتدنى إلى أقل درجة ممكنة، من خلال أجندة دورية، بالتنسيق مع الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي، إلى جانب علماء المجمع الفقهي الإسلامي وغيره من المؤسسات الدعوية الأخرى، التي من شأنها أن تدفع الغرب إلى الاعتراف بأن المصرفية الإسلامية أساس مصرفي خال من عيوب النظام المصرفي الرأسمالي.
وأكد أن أكثر المخاطر التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في الدول الغربية تكمن في اعتبار النظام المصرفي مخرجا فقط للأزمة، وليس أجندة بفهم عميق وإيمان راسخ، مع ملاحظة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي، وكذا التمويل الإسلامي فقط لدى فئة قلة تؤمن بالفهم الإسلامي ومفاهيمه باعتباره عقيدة وليس وسيلة، مشيرا إلى أنه من المخاطر تجرد الغرب من الفهم الأولي لمبادئ الاقتصاد الإسلامي وصعوبة تقبله للفكر والنظام المالي والاقتصادي الإسلامي، في ظل تدني الرؤية لدى الكثير من الغربيين عن مستوى الفكر الإسلامي ومقارنته على الدوام بالفهم التقليدي، وكذلك وجود مخاطر أخرى مثل الإرهاب والجهل والمرض.. للخروج من هذه المخاطر.
الشرق الأوسط،