ان إقرارنا بالنجاحات التي بلغتها البنوك الاسلامية لا يعني غض الطرف عن بعض اخطائها التي مالت بها عن طريقها المرسوم لها والهدف المرجو من تأسيسها، بعدما قاربت بعض هذه الاخطاء او وصلت بالفعل الى حدود احكام الشريعة الاسلامية فجاوزتها، واذا كنا مؤمنين بوجوب العدل حتى على انفسنا، فانه يجب عليها الاعتراف بهذه الاخطاء، التي بدأت تزداد يوما بعد يوم، وتظهر للعيان اكثر فأكثر، والعمل على معالجتها مهما كلف الامر.
ترفع البنوك الاسلامية شعار تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، لكنها لا تأخذ في بعض الاحيان الا بالشكل الظاهري لصيغ التمويل الاسلامي، وتنسى آثار تنفيذها التي قد لا تكون ايجابية على كل الاحوال، ولعل اكبر دليل على هذا الامر، اهتمام بعض البنوك الاسلامية بالتمويلات قصيرة الاجل ذات الربحية المرتفعة على حساب التمويلات التي تسهم في التنمية الشاملة، فنسيت بذلك او تناست مجموعة من الصيغ التي تميزت بها المصرفية الاسلامية على غيرها، مثل المشاركات طويلة الاجل او المتناقصة والسلم والاستصناع الموازيين.
في السنوات الاخيرة شهدت دول الخليج ارتفاعا في نسب التضخم، ولو رجعنا الى الدراسات العلمية التي ناقشت اسباب هذا التضخم من الناحية العلمية لوجدنا ان ارتفاع تضخم الطلب ــ وهو شكل من اشكال التضخم ــ مرتبط بزيادة الطلب الكلي على العرض الكلي، ويرجع ذلك لاسباب عدة منها ارتفاع نسب السيولة النقدية في السوق المحلي، وقد توجّه في هذا المقام بعض الدراسات السهام الى المؤسسات المالية التقليدية بسبب مرونتها في تقديم التسهيلات الائتمانية، لكني لم ار الى اليوم ــ على المستوى المحلي ــ من يدعو الى توجيه السهام الى البنوك الاسلامية ايضا، خصوصا بعدما صارت بعض البنوك الاسلامية تقتات على التورق المصرفي بغطاء تعتبره البنوك الاسلامية شرعيا، وقامت بتسهيل اجراءاته حتى غدا حصول عميل البنك الاسلامي على السيولة النقدية امرا ميسورا وسهلا بدرجة تمكنه من الحصول عليها في ساعات معدودة، من دون النظر في مدى حاجته لهذه السيولة التي قد لا تنفعه على كل الاحوال.
اذا كانت البنوك الاسلامية جادة في التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، فلم لا تراعي السياسة النقدية التي أتت بها الشريعة الاسلامية التي تقوم على إحداث توازن مستقر بين حركة البنوك من جهة والحركة السلعية من جهة اخرى، وعدم الفصل بينهما؟ واعتقد ان السيولة النقدية التي تقدمها البنوك الاسلامية لم تؤد - لا محالة - الى الفصل بينهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني الغاء السياسة النقدية التي اختصت بها الشريعة الاسلامية على الانظمة الاقتصادية الاخرى.
يدرك الجميع ان تاريخ البنوك الاسلامية لم يزل قصيرا مقارنة بغيرها من البنوك، كما انها تعاني بعض المشاكل القانونية، مثل عدم وجود الغطاء القانوني المناسب لبعض ادوات التمويل الاسلامي، وعدم اهتمام الجامعات بتأهيل كوادر علمية مهنية مدربة على العمل في البنوك الاسلامية، وعدم اهتمام مؤسسات التقدم العلمي بها، واعتقد ان مثل هذه الاشكاليات تؤدي الى وقوع مثل هذه الاخطاء - لا محالة - لكن هذه الاعذار لا تبيح لها التقاعس عن تصحيح مسارها.
إن مقالي هذا لا اقصد به تثبيط همم القائمين على البنوك الاسلامية، بقدر حرصي على تصحيح المسار الذي نريد، كي يكون بين أيدينا في يوم ما مصرف اسلامي متكامل.
د. محمد الفزيع - جريدة القبس
في السنوات الاخيرة شهدت دول الخليج ارتفاعا في نسب التضخم، ولو رجعنا الى الدراسات العلمية التي ناقشت اسباب هذا التضخم من الناحية العلمية لوجدنا ان ارتفاع تضخم الطلب ــ وهو شكل من اشكال التضخم ــ مرتبط بزيادة الطلب الكلي على العرض الكلي، ويرجع ذلك لاسباب عدة منها ارتفاع نسب السيولة النقدية في السوق المحلي، وقد توجّه في هذا المقام بعض الدراسات السهام الى المؤسسات المالية التقليدية بسبب مرونتها في تقديم التسهيلات الائتمانية، لكني لم ار الى اليوم ــ على المستوى المحلي ــ من يدعو الى توجيه السهام الى البنوك الاسلامية ايضا، خصوصا بعدما صارت بعض البنوك الاسلامية تقتات على التورق المصرفي بغطاء تعتبره البنوك الاسلامية شرعيا، وقامت بتسهيل اجراءاته حتى غدا حصول عميل البنك الاسلامي على السيولة النقدية امرا ميسورا وسهلا بدرجة تمكنه من الحصول عليها في ساعات معدودة، من دون النظر في مدى حاجته لهذه السيولة التي قد لا تنفعه على كل الاحوال.
اذا كانت البنوك الاسلامية جادة في التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، فلم لا تراعي السياسة النقدية التي أتت بها الشريعة الاسلامية التي تقوم على إحداث توازن مستقر بين حركة البنوك من جهة والحركة السلعية من جهة اخرى، وعدم الفصل بينهما؟ واعتقد ان السيولة النقدية التي تقدمها البنوك الاسلامية لم تؤد - لا محالة - الى الفصل بينهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني الغاء السياسة النقدية التي اختصت بها الشريعة الاسلامية على الانظمة الاقتصادية الاخرى.
يدرك الجميع ان تاريخ البنوك الاسلامية لم يزل قصيرا مقارنة بغيرها من البنوك، كما انها تعاني بعض المشاكل القانونية، مثل عدم وجود الغطاء القانوني المناسب لبعض ادوات التمويل الاسلامي، وعدم اهتمام الجامعات بتأهيل كوادر علمية مهنية مدربة على العمل في البنوك الاسلامية، وعدم اهتمام مؤسسات التقدم العلمي بها، واعتقد ان مثل هذه الاشكاليات تؤدي الى وقوع مثل هذه الاخطاء - لا محالة - لكن هذه الاعذار لا تبيح لها التقاعس عن تصحيح مسارها.
إن مقالي هذا لا اقصد به تثبيط همم القائمين على البنوك الاسلامية، بقدر حرصي على تصحيح المسار الذي نريد، كي يكون بين أيدينا في يوم ما مصرف اسلامي متكامل.
د. محمد الفزيع - جريدة القبس