شهد التأمين التكافلي «الإسلامي» في قطر نمواً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية، دفعه لأن يحجز لنفسه مكانة كبيرة داخل السوق ويجعله منافساً قوياً للتأمين التقليدي الذي ظل لسنوات عديدة يحظى وحيداً بكعكة هذا القطاع داخل الدولة. وبينما تستحوذ شركات التأمين التجارية -التي بدأت نشاطها في عام 1964 مع تأسيس شركة «قطر للتأمين»- على الحصة الأكبر من السوق القطرية والتي تبلغ نحو %80، فإن شركات التأمين الإسلامية نجحت خلال 3 أعوام فقط في الاستحواذ على نحو %20 من القطاع حسب خبراء في قطاع التأمين.
ورغم وجود «الشركة الإسلامية القطرية للتأمين» منذ عام 1995، والتي استأثرت بهذا النوع من التأمين لفترة تزيد على 7 سنوات، فإن التأمين الإسلامي بدأ يشق طريقه داخل الدولة مع توجه الأنظار نحو الاقتصاد الإسلامي، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية التي أثبتت نجاح التجربة الإسلامية التي صمدت أمام تيار الأزمة الجارف.
وتغيرت خارطة قطاع التأمين في قطر خلال السنوات الثلاث الماضية مع دخول شركات تأمين إسلامية جديدة إلى السوق، وتوجه الشركات التجارية إلى افتتاح فروع إسلامية لها لتواكب موجة «أسلمة» القطاع التي دعا إليها خبراء التأمين الإسلامي في المنطقة بعد الأزمة العالمية.
قررت شركات مثل «قطر للتأمين» و «الدوحة للتأمين» افتتاح فروع لها لتقديم خدمات ومنتجات تأمين إسلامية لأول مرة، بينما ذهبت شركة «الخليج للتأمين وإعادة التأمين» -وهي من كبرى الشركات القطرية العاملة في هذا القطاع- إلى أبعد من ذلك، إذ تحولت الشركة بالكامل إلى شركة تأمين تكافلي تقدم خدماتها التأمينية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأصبح اسمها شركة «الخليج للتأمين وإعادة التأمين التكافلي».
ويحظى التأمين الإسلامي بفرص نمو واعدة في السوق المحلية، نظراً لأنه يطبق الشريعة الإسلامية في تعاملاته، ودخل العديد من الشركات الإسلامية سوق التأمين القطرية مؤخراً، كما أنه من المنتظر دخول هيئات وشركات تأمين دولية كثيرة إلى السوق القطرية لما تملكه هذه السوق من عناصر جذب، خصوصا بالنسبة لنشاط التأمين.
وأدت الطفرة التي يشهدها القطاع المالي الإسلامي في قطر والنمو المطرد في عدد المؤسسات المالية التي تطرح منتجات مالية إسلامية إلى طلب كبير على المنتجات التأمينية الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالتأمينات الشخصية أو ما يسمى بالتكافل العائلي، ولهذا كان من الطبيعي اختيار هذا القطاع لتوفير منتجات تأمينية تتوافق مع الشريعة الإسلامية وتلبي الاحتياجات الهائلة للمؤسسات المالية الإسلامية من مختلف المنتجات التأمينية.
ويقدر الخبراء معدل نمو التأمين التكافلي في الدولة بنحو %100، متوقعين أن تشكل أقساط التأمين الإسلامي اختراقاً متنامياً نسبة للطلب الهائل على منتجات التأمين الإسلامي مدفوعاً بجهود الدولة لوضع الاستراتيجيات وسن القوانين وحرصها على أن تصبح قطر مركزاً إقليمياً لقطاع التأمين في المنطقة.
ورغم النمو الذي يشهده التأمين التكافلي في الدولة، فإنه لا يزال بحاجة إلى تطوير، كما أنه بحاجة إلى الكفاءات المدربة والكوادر المؤهلة في هذا المجال، وهو ما دعا الخبراء إلى ضرورة الاهتمام به في المرحلة المقبلة.
كما يرى الخبراء أن استحواذ شركات التأمين التجارية على قطاعات بعينها داخل الدولة يبطئ حركة النمو التي يشهدها التأمين التكافلي، مؤكدين أن أكبر حجم لتأمينات قطاع النفط والغاز
يذهب لشركات التأمين التجارية، نظراً لكثرة عدد الأجانب
من الديانات المختلفة العاملين في هذا القطاع، لافتين إلى أنه لولا تأمينات هذا القطاع لتعدت نسبة التأمين الإسلامي نسبة %50 من القطاع.
«العرب» استطلعت آراء خبراء ومحللين متخصصين في قطاع التأمين عن نمو هذا النوع من التأمين وأسبابه وسبل تطويره..
ما التأمين التكافلي؟
في البداية يجدر بنا التعريف بالتأمين التكافلي.. يعرّف الخبير في قطاع التأمين الأستاذ محمد مهران، التكافل بأنه الصيغة الإسلامية من التأمين، والذي جاء لمعالجة العوار الموجود في مفهوم التأمين التجاري، وهو إجمالاً (الربا والغرر). ويقول مهران: «يرتكز تكافل التأمين الإسلامي على مبدأ التعاون وعلى أساس الفصل بين الحسابات المالية لعمليات التأمين (التكافل) وعمليات المساهمين (الاستثمار)، وينظر إلى قسط التأمين كأنه تبرع يدفع في البداية إلى شركة التأمين، وإذا حققت هذه الشركة أرباحا في نهاية السنة فإنها توزع على حملة الوثائق».
وهناك أيضاً ما يسمى بالتأمين التعاوني، وهو –حسب مهران- نوع من التأمين مطبق في المملكة العربية السعودية، ولا يختلف كثيراً عن التأمين التكافلي، والتعريف العلمي له هو «اشتراك مجموعة من الناس بمبالغ بغير قصد الربح على جهة التبرع، تخصص لتعويض من يصيبهم الضرر منهم، وإذا عجزت الأقساط عن التعويض دفع الأعضاء أقساطاً إضافية لتغطية العجز، وإن زادت فللأعضاء حق استرداد الزيادة».
أما التأمين التجاري فيشمل الشركات التي لا تطبق الشريعة الإسلامية في إجراءات التأمين، ويقسم مهران هذه الشركات إلى شركات للتأمين على الحياة، وشركات التأمينات العامة، كما يمكن في بعض البلدان أن توجد شركات مختلطة تقدم النوعين من التأمين.
ويوضح ماجد عقل المدير العام للشركة العامة للتكافل، الفرق بين التأمين التجاري والتكافلي، قائلاً: «إن التأمين التكافلي يعني أن العميل أصبح له وجود بالشركة، أي مساهم فيها، بمعنى أنه عندما يدفع قسطا تأمينيا للشركة، فإن هذا القسط يدخل إلى صندوق الشركة، وعندما يربح هذا الصندوق يربح العميل، وهذا هو المبدأ القائم على الشريعة الإسلامية، فالعميل مساهم في هذا الصندوق، أما شركات التأمين التقليدية فيتوقف دورها عند دفع القسط للعميل».
ويضيف عقل: «نفس التأمينات الموجودة في التقليدية موجودة في الشركات التكافلية ولكن برؤية إسلامية، فالقسط الذي يدفعه العميل لا تأخذه الشركة، ولكن نساهم جميعنا في الصندوق حتى ينمو ونعوّض المتضررين».
من جانبه يرى محمد ماهر الجعبري المدير الفني بالإنابة في الشركة الإسلامية للتأمين، أن التأمين التقليدي يقوم على منطق تجاري يتضمن الربح والخسارة، بينما في شركات التأمين التكافلية، فإن المنطق الذي تعمل به «منطق رقابي وإداري» بالنسبة للموظفين والمساهمين في هذه الشركات، و «منطق مشاركة» بالنسبة للعملاء، لأنه يتم توزيع جزء من الأرباح عليهم.
ويقول الجعبري: «إن مفهوم التأمين التكافلي مبني على أساسين، أولاً التعاون في جبر المخاطر، بمعنى أنني إذا كنت صاحب مصنع واحترق هذا المصنع، فإن المتضرر في هذه الحالة يكون فردا واحدا هو صاحب المصنع، ولكن في شركات التأمين التكافلي يتوزع الضرر على ألف أو ألفين أو خمسة آلاف من المؤمّنين، يتكاتف جميعهم لإعادة مصنعي كما كان، وهذا المنطق غير قائم على الربح والخسارة، ولكنه قائم على جبر الضرر والكسر والتعاون بين مجموع المؤمّنين».
قفزة كبيرة
ومن هذا المنطلق الإسلامي، شهد التأمين التكافلي في قطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة إقبالاً كبيراً من قبل المسلمين، وحتى أصحاب الديانات الأخرى، خاصة بعد أن أثبتت التجربة الإسلامية نجاحها عقب الأزمة المالية العالمية.
وفي هذا الصدد يرى الجعبري أن التأمين التكافلي انطلق بسرعة خلال الفترة الماضية، لأنه البديل الشرعي عن التأمين التجاري، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم أكدت أن المنطق التجاري أثبت فشله، تماماً كما أثبت الفكر الشيوعي فشله، وكما سيثبت الفكر الرأسمالي فشله أيضاً، قائلاً: «الحلول الإسلامية حلول دائمة وضعها الله سبحانه وتعالى، وهو الذي نظمها لنا ونظم لنا حركة البيع والتجارة، ونحمد الله على أننا نسير في ركب الأمور الحلال».
ويقول: «أصبحت هناك نظرة إيجابية تجاه الاقتصاد الإسلامي، هذه النظرة أبرزت الاقتصاد الإسلامي وكيانه الداخلي، وكيف أن لديه تغطية لكل الأمور المالية التي تمر بها المجتمعات، وتجلت هذه النظرة الإيجابية مع زيادة عدد البنوك الإسلامية وزيادة نشاطها خلال الأعوام القليلة الماضية، فصارت قطاعات كثيرة تتحول من بنوك تجارية إلى إسلامية، وبما أن هناك ارتباطا وثيقا بين البنوك وشركات التأمين، كان لا بد من تأسيس شركات التأمين التكافلية لتساير البنوك الإسلامية، فهذا النوع من التأمين جائز شرعاً وبديل شرعي عن التأمين التجاري».
ويوضح أن التأمين التكافلي أصبح له مفهومه الخاص، كما أنه خلال فترة وجيزة بات يتمتع باحترام كبير من قبل الشركات والمؤسسات، لأنهم يفضلون أن يكونوا شركاء في التأمين وليس مجرد عملاء كما هو معمول به في المنطق التجاري.
ويقدر محمد ماهر الجعبري عدد شركات التأمين التكافلية بما يزيد على 130 شركة حول العالم، لافتاً إلى تزايد عددها بسرعة منذ إنشاء أول شركة عام 1979 في السودان، تلتها بعد 4 أو 5 سنوات شركة أخرى في دبي، ثم في بريطانيا، وما لبثت أن انطلقت في أنحاء مختلفة من العالم.
تأثير إيجابي
وحول ما شهده هذا القطاع المهم في دولة قطر من تطورات في الفترة الأخيرة، يقول المستشار التأميني محمد عباس الريس، إنه خلال السنوات العشر الأخيرة شهدت سوق التأمين القطرية تحولاً في مفاهيم المتعاملين مع القطاع، باتجاههم إلى تحويل عملياتهم للتأمين التكافلي -أو ما يعني التأمين الإسلامي- وهذا التغيير تحكمه أولاً القناعة الدينية والروح الإسلامية التي تحكم التعاملات الاجتماعية وبالتالي الاقتصادية، إضافة إلى طبيعة روح السوق التنافسية التي تقدمها شركات التكافل والتأمين الإسلامية، حيث الأفضلية والتنافسية في السعر والخدمة، وبالتالي فإن هذا التوجه أثر إيجابياً على خارطة قطاع التأمين القطري بزيادة مطردة في معدلات النمو للتأمين التكافلي على حساب التأمين التجاري.
ويقول الريس: «ما زالت عمليات التأمين التكافلي الإسلامي في بدايات انطلاقتها رغم مرور عقد من الزمن على بدء عملياتها في السوق القطرية، ولكن بالطبع هو يمثل رغبة في المتعاملين مع القطاع في أن يكون التأمين الإسلامي التكافلي هو الوجه الآخر من عملية الاقتصاد الإسلامي مع المصارف الإسلامية، ولكن التحول بمعدل أكبر إلى التأمين التكافلي الإسلامي سيحتاج وقتاً أكبر».
ويضيف الريس: «حتى الآن فإن التأمين التكافلي الإسلامي -وبعد تحول شركة الخليج للتأمين وإعادة التأمين التكافلي، مع الشقيقة الإسلامية القطرية رائدة التأمين التكافلي الإسلامي في قطر، إضافة إلى الفروع الإسلامية الأخرى- فإننا نرى أن نسبة مشاركة التأمين التكافلي الإسلامي حتى الآن لا تتجاوز %25 من إجمالي قيمة المحفظة التأمينية المكتتبة في قطاع التأمين القطري، ولكني أتوقع ارتفاعاً خلال السنوات القليلة المقبلة في هذه الحصة».
ويشير ماجد عقل المدير العام للشركة العامة للتكافل، إلى أنه منذ أواخر عام 2007، كان للأزمة المالية العالمية تأثيرها الواضح على البنوك التقليدية، في حين لم تظهر نتائج البنوك والشركات الإسلامية تأثرا واضحا كما في الأولى، الأمر الذي دفع العديد من البنوك التقليدية إلى افتتاح فروع إسلامية لها بعد أن شعرت بسحب البساط من تحت أقدامها.
ويقول عقل: «هناك شركات تأمين جاءت إلى قطر وافتتحت فروعا إسلامية لها هنا حتى تلحق بركب البنوك الإسلامية، والآن أصبح لدى كل شركات التأمين التقليدية فروع إسلامية لها في قطر، حتى تعدت نسبة شركات التأمين التكافلية الـ%10 من حصة القطاع التأميني في الدولة». ويؤكد المدير الفني بالإنابة في «الإسلامية للتأمين» محمد ماهر الجعبري أن قطر شهدت زيادة كبيرة في عدد هذه الشركات خلال الفترة الأخيرة، مع افتتاح الشركات التجارية فروعا إسلامية لها، وتحول بعضها إلى إسلامية. ويتوقع الجعبري أن يستحوذ التأمين التكافلي على %30 من حصة سوق التأمين في قطر مع نهاية عام 2010، مؤكداً أنها نسبة كبيرة إذا ما قورنت بالعامين الماضيين، حيث لم تتعد نسبة الـ%10. ويقول: «هذه التوقعات لا تأتي من فراغ، ولكن هناك سببان يدفعان لذلك، الأول هو أن الكثير من الأشخاص ممن لم يكن عندهم توجه نحو التأمين استطاعت شركات التأمين التكافلية إقناعهم من باب أن هذا التأمين شرعي، حتى أصبح لدى هذه الشركات عدد لا بأس به من المؤمّنين الجدد، بمعنى أن عدد الأفراد المؤمنين زاد في الدولة. الأمر الثاني هو تحول جزء من التأمين التجاري إلى تأمين إسلامي من باب التوجه التأميني والظروف الاقتصادية العالمية».
من جهته يرى خبير التأمين محمد مهران أن التأمين في الخليج بصفة عامة يعتبر متأخراً مقارنة بالدول الغربية، لافتاً إلى تصريح معالي وزير الاقتصاد والمالية القطري السيد يوسف حسين كمال في نهاية مارس الماضي، حيث أفاد بأن «الأسواق الخليجية -وقطر خاصة- بحاجة إلى الاستثمار في مجال التأمين، وأن نسبة التعامل في التأمين في قطر تبلغ %0.6، وفي الخليج لا تتعدى %1 من إجمالي الناتج المحلي، في حين تصل في أميركا وأوروبا إلى %10».
ويوافق مهران معالي وزير الاقتصاد والمالية تماماً في تصريحاته، مؤكداً دقة المعلومات وإصابتها لكبد الحقيقة، مضيفاً أن أحد الأسباب التي يرجع إليها تأخر قطاع التأمين هو السبب الديني، حيث ظل التأمين التجاري هو المتحكم لفترة طويلة قبل إدخال التأمين التكافلي (الذي بدأ بصورة حديثة، وفعلياً لم يظهر إلا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي)، وهو الأمر الذي كان مرفوضاً لأسباب دينية من كثير من الفقهاء، وبالتالي شكّل ذلك حاجزا لنمو التأمين وتطوره.
ويقول مهران: «بوجود التأمين التكافلي فإنه من المرجو أن تتم زيادة الوعي التأميني وإتاحة الفرصة لكافة المواطنين وقطاعات الاقتصاد للاستفادة من الخدمات التي يقدمها هذا القطاع المهم، سواء من ناحية الأفراد أو الشركات أو الوحدات الإنتاجية أو الاقتصاد بصورة عامة. وفي الحقيقة فإن التأمين التكافلي يعتبر حديثا نسبياً في قطر بخلاف شركة واحدة كان لها تواجد منذ فترة ليست بالطويلة، لذا فلا أعتقد أن التأمين التكافلي قد غير من خريطة التأمين إلى الآن، وإن كان من المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي في الأجل القصير والمتوسط».
ويؤكد مهران أن تحول بعض الشركات إلى إسلامية وافتتاح فروع إسلامية لشركات تجارية إنما هو طبيعي جداً، حيث تبحث شركات التأمين عما يرضي رغبات العملاء، قائلاً: «بالطبع فإن عددا ليس بالقليل من العملاء يطلب التأمين التكافلي، لذا فإن التوجه الطبيعي هو السعي نحو فتح فروع أو تحول الشركات إلى التأمين التكافلي، وهذا التوجه مماثل لما قامت به البنوك التجارية بفتح فروع إسلامية أو افتتاح بنوك إسلامية مستقلة، ولكن من غير المتوقع أن يستحوذ التأمين التكافلي على قطاع التأمين لوجود التأمين التجاري منذ فترة كبيرة، واستطاعته خلق قاعدة من العملاء، كما أن وجود كثير من العملاء الصناعيين الذين يهمهم في المقام الأول الخدمة المميزة والسعر الملائم لا يعتبر محفزا لقطاع التأمين التكافلي للاستحواذ على السوق».
جريدة العرب
وتغيرت خارطة قطاع التأمين في قطر خلال السنوات الثلاث الماضية مع دخول شركات تأمين إسلامية جديدة إلى السوق، وتوجه الشركات التجارية إلى افتتاح فروع إسلامية لها لتواكب موجة «أسلمة» القطاع التي دعا إليها خبراء التأمين الإسلامي في المنطقة بعد الأزمة العالمية.
قررت شركات مثل «قطر للتأمين» و «الدوحة للتأمين» افتتاح فروع لها لتقديم خدمات ومنتجات تأمين إسلامية لأول مرة، بينما ذهبت شركة «الخليج للتأمين وإعادة التأمين» -وهي من كبرى الشركات القطرية العاملة في هذا القطاع- إلى أبعد من ذلك، إذ تحولت الشركة بالكامل إلى شركة تأمين تكافلي تقدم خدماتها التأمينية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأصبح اسمها شركة «الخليج للتأمين وإعادة التأمين التكافلي».
ويحظى التأمين الإسلامي بفرص نمو واعدة في السوق المحلية، نظراً لأنه يطبق الشريعة الإسلامية في تعاملاته، ودخل العديد من الشركات الإسلامية سوق التأمين القطرية مؤخراً، كما أنه من المنتظر دخول هيئات وشركات تأمين دولية كثيرة إلى السوق القطرية لما تملكه هذه السوق من عناصر جذب، خصوصا بالنسبة لنشاط التأمين.
وأدت الطفرة التي يشهدها القطاع المالي الإسلامي في قطر والنمو المطرد في عدد المؤسسات المالية التي تطرح منتجات مالية إسلامية إلى طلب كبير على المنتجات التأمينية الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالتأمينات الشخصية أو ما يسمى بالتكافل العائلي، ولهذا كان من الطبيعي اختيار هذا القطاع لتوفير منتجات تأمينية تتوافق مع الشريعة الإسلامية وتلبي الاحتياجات الهائلة للمؤسسات المالية الإسلامية من مختلف المنتجات التأمينية.
ويقدر الخبراء معدل نمو التأمين التكافلي في الدولة بنحو %100، متوقعين أن تشكل أقساط التأمين الإسلامي اختراقاً متنامياً نسبة للطلب الهائل على منتجات التأمين الإسلامي مدفوعاً بجهود الدولة لوضع الاستراتيجيات وسن القوانين وحرصها على أن تصبح قطر مركزاً إقليمياً لقطاع التأمين في المنطقة.
ورغم النمو الذي يشهده التأمين التكافلي في الدولة، فإنه لا يزال بحاجة إلى تطوير، كما أنه بحاجة إلى الكفاءات المدربة والكوادر المؤهلة في هذا المجال، وهو ما دعا الخبراء إلى ضرورة الاهتمام به في المرحلة المقبلة.
كما يرى الخبراء أن استحواذ شركات التأمين التجارية على قطاعات بعينها داخل الدولة يبطئ حركة النمو التي يشهدها التأمين التكافلي، مؤكدين أن أكبر حجم لتأمينات قطاع النفط والغاز
يذهب لشركات التأمين التجارية، نظراً لكثرة عدد الأجانب
من الديانات المختلفة العاملين في هذا القطاع، لافتين إلى أنه لولا تأمينات هذا القطاع لتعدت نسبة التأمين الإسلامي نسبة %50 من القطاع.
«العرب» استطلعت آراء خبراء ومحللين متخصصين في قطاع التأمين عن نمو هذا النوع من التأمين وأسبابه وسبل تطويره..
ما التأمين التكافلي؟
في البداية يجدر بنا التعريف بالتأمين التكافلي.. يعرّف الخبير في قطاع التأمين الأستاذ محمد مهران، التكافل بأنه الصيغة الإسلامية من التأمين، والذي جاء لمعالجة العوار الموجود في مفهوم التأمين التجاري، وهو إجمالاً (الربا والغرر). ويقول مهران: «يرتكز تكافل التأمين الإسلامي على مبدأ التعاون وعلى أساس الفصل بين الحسابات المالية لعمليات التأمين (التكافل) وعمليات المساهمين (الاستثمار)، وينظر إلى قسط التأمين كأنه تبرع يدفع في البداية إلى شركة التأمين، وإذا حققت هذه الشركة أرباحا في نهاية السنة فإنها توزع على حملة الوثائق».
وهناك أيضاً ما يسمى بالتأمين التعاوني، وهو –حسب مهران- نوع من التأمين مطبق في المملكة العربية السعودية، ولا يختلف كثيراً عن التأمين التكافلي، والتعريف العلمي له هو «اشتراك مجموعة من الناس بمبالغ بغير قصد الربح على جهة التبرع، تخصص لتعويض من يصيبهم الضرر منهم، وإذا عجزت الأقساط عن التعويض دفع الأعضاء أقساطاً إضافية لتغطية العجز، وإن زادت فللأعضاء حق استرداد الزيادة».
أما التأمين التجاري فيشمل الشركات التي لا تطبق الشريعة الإسلامية في إجراءات التأمين، ويقسم مهران هذه الشركات إلى شركات للتأمين على الحياة، وشركات التأمينات العامة، كما يمكن في بعض البلدان أن توجد شركات مختلطة تقدم النوعين من التأمين.
ويوضح ماجد عقل المدير العام للشركة العامة للتكافل، الفرق بين التأمين التجاري والتكافلي، قائلاً: «إن التأمين التكافلي يعني أن العميل أصبح له وجود بالشركة، أي مساهم فيها، بمعنى أنه عندما يدفع قسطا تأمينيا للشركة، فإن هذا القسط يدخل إلى صندوق الشركة، وعندما يربح هذا الصندوق يربح العميل، وهذا هو المبدأ القائم على الشريعة الإسلامية، فالعميل مساهم في هذا الصندوق، أما شركات التأمين التقليدية فيتوقف دورها عند دفع القسط للعميل».
ويضيف عقل: «نفس التأمينات الموجودة في التقليدية موجودة في الشركات التكافلية ولكن برؤية إسلامية، فالقسط الذي يدفعه العميل لا تأخذه الشركة، ولكن نساهم جميعنا في الصندوق حتى ينمو ونعوّض المتضررين».
من جانبه يرى محمد ماهر الجعبري المدير الفني بالإنابة في الشركة الإسلامية للتأمين، أن التأمين التقليدي يقوم على منطق تجاري يتضمن الربح والخسارة، بينما في شركات التأمين التكافلية، فإن المنطق الذي تعمل به «منطق رقابي وإداري» بالنسبة للموظفين والمساهمين في هذه الشركات، و «منطق مشاركة» بالنسبة للعملاء، لأنه يتم توزيع جزء من الأرباح عليهم.
ويقول الجعبري: «إن مفهوم التأمين التكافلي مبني على أساسين، أولاً التعاون في جبر المخاطر، بمعنى أنني إذا كنت صاحب مصنع واحترق هذا المصنع، فإن المتضرر في هذه الحالة يكون فردا واحدا هو صاحب المصنع، ولكن في شركات التأمين التكافلي يتوزع الضرر على ألف أو ألفين أو خمسة آلاف من المؤمّنين، يتكاتف جميعهم لإعادة مصنعي كما كان، وهذا المنطق غير قائم على الربح والخسارة، ولكنه قائم على جبر الضرر والكسر والتعاون بين مجموع المؤمّنين».
قفزة كبيرة
ومن هذا المنطلق الإسلامي، شهد التأمين التكافلي في قطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة إقبالاً كبيراً من قبل المسلمين، وحتى أصحاب الديانات الأخرى، خاصة بعد أن أثبتت التجربة الإسلامية نجاحها عقب الأزمة المالية العالمية.
وفي هذا الصدد يرى الجعبري أن التأمين التكافلي انطلق بسرعة خلال الفترة الماضية، لأنه البديل الشرعي عن التأمين التجاري، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم أكدت أن المنطق التجاري أثبت فشله، تماماً كما أثبت الفكر الشيوعي فشله، وكما سيثبت الفكر الرأسمالي فشله أيضاً، قائلاً: «الحلول الإسلامية حلول دائمة وضعها الله سبحانه وتعالى، وهو الذي نظمها لنا ونظم لنا حركة البيع والتجارة، ونحمد الله على أننا نسير في ركب الأمور الحلال».
ويقول: «أصبحت هناك نظرة إيجابية تجاه الاقتصاد الإسلامي، هذه النظرة أبرزت الاقتصاد الإسلامي وكيانه الداخلي، وكيف أن لديه تغطية لكل الأمور المالية التي تمر بها المجتمعات، وتجلت هذه النظرة الإيجابية مع زيادة عدد البنوك الإسلامية وزيادة نشاطها خلال الأعوام القليلة الماضية، فصارت قطاعات كثيرة تتحول من بنوك تجارية إلى إسلامية، وبما أن هناك ارتباطا وثيقا بين البنوك وشركات التأمين، كان لا بد من تأسيس شركات التأمين التكافلية لتساير البنوك الإسلامية، فهذا النوع من التأمين جائز شرعاً وبديل شرعي عن التأمين التجاري».
ويوضح أن التأمين التكافلي أصبح له مفهومه الخاص، كما أنه خلال فترة وجيزة بات يتمتع باحترام كبير من قبل الشركات والمؤسسات، لأنهم يفضلون أن يكونوا شركاء في التأمين وليس مجرد عملاء كما هو معمول به في المنطق التجاري.
ويقدر محمد ماهر الجعبري عدد شركات التأمين التكافلية بما يزيد على 130 شركة حول العالم، لافتاً إلى تزايد عددها بسرعة منذ إنشاء أول شركة عام 1979 في السودان، تلتها بعد 4 أو 5 سنوات شركة أخرى في دبي، ثم في بريطانيا، وما لبثت أن انطلقت في أنحاء مختلفة من العالم.
تأثير إيجابي
وحول ما شهده هذا القطاع المهم في دولة قطر من تطورات في الفترة الأخيرة، يقول المستشار التأميني محمد عباس الريس، إنه خلال السنوات العشر الأخيرة شهدت سوق التأمين القطرية تحولاً في مفاهيم المتعاملين مع القطاع، باتجاههم إلى تحويل عملياتهم للتأمين التكافلي -أو ما يعني التأمين الإسلامي- وهذا التغيير تحكمه أولاً القناعة الدينية والروح الإسلامية التي تحكم التعاملات الاجتماعية وبالتالي الاقتصادية، إضافة إلى طبيعة روح السوق التنافسية التي تقدمها شركات التكافل والتأمين الإسلامية، حيث الأفضلية والتنافسية في السعر والخدمة، وبالتالي فإن هذا التوجه أثر إيجابياً على خارطة قطاع التأمين القطري بزيادة مطردة في معدلات النمو للتأمين التكافلي على حساب التأمين التجاري.
ويقول الريس: «ما زالت عمليات التأمين التكافلي الإسلامي في بدايات انطلاقتها رغم مرور عقد من الزمن على بدء عملياتها في السوق القطرية، ولكن بالطبع هو يمثل رغبة في المتعاملين مع القطاع في أن يكون التأمين الإسلامي التكافلي هو الوجه الآخر من عملية الاقتصاد الإسلامي مع المصارف الإسلامية، ولكن التحول بمعدل أكبر إلى التأمين التكافلي الإسلامي سيحتاج وقتاً أكبر».
ويضيف الريس: «حتى الآن فإن التأمين التكافلي الإسلامي -وبعد تحول شركة الخليج للتأمين وإعادة التأمين التكافلي، مع الشقيقة الإسلامية القطرية رائدة التأمين التكافلي الإسلامي في قطر، إضافة إلى الفروع الإسلامية الأخرى- فإننا نرى أن نسبة مشاركة التأمين التكافلي الإسلامي حتى الآن لا تتجاوز %25 من إجمالي قيمة المحفظة التأمينية المكتتبة في قطاع التأمين القطري، ولكني أتوقع ارتفاعاً خلال السنوات القليلة المقبلة في هذه الحصة».
ويشير ماجد عقل المدير العام للشركة العامة للتكافل، إلى أنه منذ أواخر عام 2007، كان للأزمة المالية العالمية تأثيرها الواضح على البنوك التقليدية، في حين لم تظهر نتائج البنوك والشركات الإسلامية تأثرا واضحا كما في الأولى، الأمر الذي دفع العديد من البنوك التقليدية إلى افتتاح فروع إسلامية لها بعد أن شعرت بسحب البساط من تحت أقدامها.
ويقول عقل: «هناك شركات تأمين جاءت إلى قطر وافتتحت فروعا إسلامية لها هنا حتى تلحق بركب البنوك الإسلامية، والآن أصبح لدى كل شركات التأمين التقليدية فروع إسلامية لها في قطر، حتى تعدت نسبة شركات التأمين التكافلية الـ%10 من حصة القطاع التأميني في الدولة». ويؤكد المدير الفني بالإنابة في «الإسلامية للتأمين» محمد ماهر الجعبري أن قطر شهدت زيادة كبيرة في عدد هذه الشركات خلال الفترة الأخيرة، مع افتتاح الشركات التجارية فروعا إسلامية لها، وتحول بعضها إلى إسلامية. ويتوقع الجعبري أن يستحوذ التأمين التكافلي على %30 من حصة سوق التأمين في قطر مع نهاية عام 2010، مؤكداً أنها نسبة كبيرة إذا ما قورنت بالعامين الماضيين، حيث لم تتعد نسبة الـ%10. ويقول: «هذه التوقعات لا تأتي من فراغ، ولكن هناك سببان يدفعان لذلك، الأول هو أن الكثير من الأشخاص ممن لم يكن عندهم توجه نحو التأمين استطاعت شركات التأمين التكافلية إقناعهم من باب أن هذا التأمين شرعي، حتى أصبح لدى هذه الشركات عدد لا بأس به من المؤمّنين الجدد، بمعنى أن عدد الأفراد المؤمنين زاد في الدولة. الأمر الثاني هو تحول جزء من التأمين التجاري إلى تأمين إسلامي من باب التوجه التأميني والظروف الاقتصادية العالمية».
من جهته يرى خبير التأمين محمد مهران أن التأمين في الخليج بصفة عامة يعتبر متأخراً مقارنة بالدول الغربية، لافتاً إلى تصريح معالي وزير الاقتصاد والمالية القطري السيد يوسف حسين كمال في نهاية مارس الماضي، حيث أفاد بأن «الأسواق الخليجية -وقطر خاصة- بحاجة إلى الاستثمار في مجال التأمين، وأن نسبة التعامل في التأمين في قطر تبلغ %0.6، وفي الخليج لا تتعدى %1 من إجمالي الناتج المحلي، في حين تصل في أميركا وأوروبا إلى %10».
ويوافق مهران معالي وزير الاقتصاد والمالية تماماً في تصريحاته، مؤكداً دقة المعلومات وإصابتها لكبد الحقيقة، مضيفاً أن أحد الأسباب التي يرجع إليها تأخر قطاع التأمين هو السبب الديني، حيث ظل التأمين التجاري هو المتحكم لفترة طويلة قبل إدخال التأمين التكافلي (الذي بدأ بصورة حديثة، وفعلياً لم يظهر إلا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي)، وهو الأمر الذي كان مرفوضاً لأسباب دينية من كثير من الفقهاء، وبالتالي شكّل ذلك حاجزا لنمو التأمين وتطوره.
ويقول مهران: «بوجود التأمين التكافلي فإنه من المرجو أن تتم زيادة الوعي التأميني وإتاحة الفرصة لكافة المواطنين وقطاعات الاقتصاد للاستفادة من الخدمات التي يقدمها هذا القطاع المهم، سواء من ناحية الأفراد أو الشركات أو الوحدات الإنتاجية أو الاقتصاد بصورة عامة. وفي الحقيقة فإن التأمين التكافلي يعتبر حديثا نسبياً في قطر بخلاف شركة واحدة كان لها تواجد منذ فترة ليست بالطويلة، لذا فلا أعتقد أن التأمين التكافلي قد غير من خريطة التأمين إلى الآن، وإن كان من المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي في الأجل القصير والمتوسط».
ويؤكد مهران أن تحول بعض الشركات إلى إسلامية وافتتاح فروع إسلامية لشركات تجارية إنما هو طبيعي جداً، حيث تبحث شركات التأمين عما يرضي رغبات العملاء، قائلاً: «بالطبع فإن عددا ليس بالقليل من العملاء يطلب التأمين التكافلي، لذا فإن التوجه الطبيعي هو السعي نحو فتح فروع أو تحول الشركات إلى التأمين التكافلي، وهذا التوجه مماثل لما قامت به البنوك التجارية بفتح فروع إسلامية أو افتتاح بنوك إسلامية مستقلة، ولكن من غير المتوقع أن يستحوذ التأمين التكافلي على قطاع التأمين لوجود التأمين التجاري منذ فترة كبيرة، واستطاعته خلق قاعدة من العملاء، كما أن وجود كثير من العملاء الصناعيين الذين يهمهم في المقام الأول الخدمة المميزة والسعر الملائم لا يعتبر محفزا لقطاع التأمين التكافلي للاستحواذ على السوق».
جريدة العرب