الرماد البركاني الذي غطى سماء أوروبا كان أيضا عامل تأجيل ليس لحركة الطيران فقط، بل كان عنصرا فاعلا في تأجيل اللقاء الذي كان مقررا عقده بين لجنة دائني ومستثمري شركة دار الاستثمار الكويتية والإدارة التنفيذية للشركة في دبي، إذ قالت مصادر مقربة من إدارة الشركة إن تداعيات السحب البركانية المنطلقة من أيسلندا أجلت اجتماع "الدار" مع دائنيها، خصوصا أن بعضا من أعضاء الإدارة التنفيذية للشركة في لندن ويتعذر عليهم حضور الاجتماع في الموعد المحدد.
المصادر ذاتها أكدت أنه لم يتفق على موعد جديد لعقد الاجتماع، حيث سيحدد متى سمحت حالة الطيران بذلك. وكان الاجتماع المؤجل مناسبة للشركة من أجل الاستفادة من قانون تعزيز الاستقرار المالي والدعاوى القضائية التي قدمتها شركات: المسار للاستثمار، وعارف للاستثمار، ومروة للحج والعمرة، وخاطر، إضافة إلى أحد الدائنين الذي تقدم باسمه الشخصي، بخصوص الاعتراض على طلب الاستفادة من القانون .
المصادر ذاتها أكدت أنه لم يتفق على موعد جديد لعقد الاجتماع، حيث سيحدد متى سمحت حالة الطيران بذلك. وكان الاجتماع المؤجل مناسبة للشركة من أجل الاستفادة من قانون تعزيز الاستقرار المالي والدعاوى القضائية التي قدمتها شركات: المسار للاستثمار، وعارف للاستثمار، ومروة للحج والعمرة، وخاطر، إضافة إلى أحد الدائنين الذي تقدم باسمه الشخصي، بخصوص الاعتراض على طلب الاستفادة من القانون .
دخلت "الدار" في أزمة عميقة بعد أن دخلت في أروقة المحاكم البريطانية، فأسهم القضاء البريطاني في جعل شركة دار الاستثمار الكويتية المشاركة في ملكية شركة إنتاج السيارات البريطانية "أستون مارتن" تسجل "سابقة تاريخية" في صناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك عندما منحتها حكما قضائيا يكشف عن انقلاب الشركة الكويتية على مجلسها الشرعي.
الانقلاب الذي مارسته الشركة على مجلسها الشرعي كان يهدف إلى التملص من دفع أرباح "ربوية لمصلحة بنك لبنان والمهجر، بعد أن وافق المجلس الشرعي عليها من باب أنها أرباح وليست فوائد.
تفاصيل القضية بحسب مصادر مطلعة، تتلخص في قيام الفقهاء الخمسة المكونين للمجلس الشرعي قبل أقل من ثلاث سنوات بالتوقيع على فتوى إجازة معاملة شرعية تعرف باسم "الوكالة" مع بنك لبنان والمهجر، غير أن محامي الشركة الكويتية أنكر شرعية هذه الصفقة، وحجته أن هذه الصفقة كانت مخالفة للأحكام الشرعية.
إزاء ذلك وصلت القضية بين الطرفين إلى القضاء البريطاني الذي أصدر حكما قضائيا يشير إلى أن اتفاقية "الوكالة"، التي تعد عملياً نوعاً من القروض بقيمة 10.7 مليون دولار، المبرمة مع بنك لبنان والمهجر، كانت مخالفة للأحكام الشرعية. ونتيجة لذلك يتعين على "الدار" سداد رأس المال فقط، وليس الربح، الذي يدفع إلى البنك بدلاً من الفائدة بموجب الأحكام الشرعية.
ففي الوقت الذي يصر فيه البنك اللبناني على أن يحصل على نسبة 5 في المائة ربحا من هذا الاستثمار. كان القضاء البريطاني يقول كلمته التي انتصرت للرؤية الشرعية لـ "الدار".
الخبراء الذين اطلعوا على قرار القضاء قالوا إن الأساس الذي يقوم عليه التعاقد مع بنك لبنان والمهجر يقضي بأن يضع بنك لبنان والمهجر أموالاً لدى "دار الاستثمار"، حيث كان البنك يقوم بدور الموكِّل (المودع) وتقوم "دار الاستثمار" بدور الوكيل. لكن العقد يطالب الشركة بإعادة رأس المال المستثمَر، إضافة إلى ربح ثابت، وهي صفقة يقول محامو "دار الاستثمار" إنها نوع من الربا المحرم شرعاً في الإسلام. يقول القاضي في وثيقة الحكم القضائي:
يحدد العقد معدلاً متوقعاً للربح استخدم لتحديد اقتسام الربح بين الوكيل والموكل. على سبيل المثال، إذا كانت النسبة المتوقعة للربح هي 5 في المائة، فإن أية أرباح تزيد على هذه النسبة سيحتفظ بها الوكيل باعتبارها رسماً من الحوافز، وإذا كانت الأرباح أقل من 5 في المائة فإن الموكل يحتفظ بكامل الربح ويعطي مبلغ الفرق بين معدل الربح الفعلي والربح المتوقع، لكن اتفاقية الوكالة أضافت فقرة غيرت العلاقة في اتفاقية الوكالة.
الفقرة 7.1 تنص على أن الأموال التي يقدمها الموكل (المودع) سيتم استثمارها في مجموعة أموال خزانة الوكيل مع سريان المفعول اعتباراً من تاريخ القيمة. كذلك نصت الفقرة على أن الأموال ستعامَل بالتساوي مع أموال المودعين الآخرين في أموال الخزانة، وهو ما أفهمه على أنه يعني بالتساوي ودون مفاضلة. ونصت الفقرة 7.2 على أنه عند تاريخ تسوية الوكالة سيدفع الوكيل إلى الموكل (المودع) مبلغاً مساوياً للربح المذكور في العرض المرفق. هذا المبلغ كان يجب أن يُدفع ''بسبب الربح'' وفقاً للعرض الخاص بالوكالة التي من هذا القبيل. هذه الدفعة ''بسبب الربح'' كان من المفروض أن تكون مساوية للربح المتوقع. بالتالي كان هناك التزام غير مشروط بتسديد المبلغ بسبب الربح ويكون مقداره هو الربح المتوقع، بصرف النظر عما إذا تم تحقيق هذا الربح بالفعل أو لم يتحقق من خلال (ما يسمى) بالاستثمار في أموال الخزانة".
الخطورة في أمر الحكم القضائي أنه ضرب بعرض الحائط وجهة نظر المجلس الشرعي لـ "الدار"، الأمر الذي يضع العمل المصرفي الإسلامي في دائرة السؤال، إذ قبل أن تربح "الدار" القضية، رفضت بداية أن تدفع مبلغ 10.7 مليون دولار إلى بنك لبنان والمهجر، حيث تقول إن الصفقة الأصلية لم تكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، وهي سابقة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الضغط على صناعة المصرفية الإسلامية.
الصفقة المعروفة باسم الوكالة، تقضي بأن تستثمر بموجبها "الدار" أموالا كانت "دار" كوكيل تقبل الأموال من بنك لبنان والمهجر، لتستثمرها في حقول جائزة شرعاً، غير أن القضاء الإنجليزي أصدر حكماً مفاده أنه لا يتعين على دار الاستثمار الكويتية أن تتمسك بأحكام قرض إسلامي لأن العقد لم يكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، وهذا بالتالي يجعل العقد باطلاً.
"الدار" سجلت سابقة بحسب الخبراء، إذ راهنت على أن الصفقة لم تكن في النهاية ملتزمة بالأحكام الشرعية الإسلامية، وبالتالي تعد باطلة على هذا الأساس بالرغم من أن المجلس الشرعي لـ "الدار" المكون من خمسة فقهاء وافق عليها.
المدير التنفيذي لشركة للاستشارات الشرعية للمنتجات المصرفية برناردو فيزكاينو علق على الأمر بالقول: ''هل استشارت دار الاستثمار المجلس الشرعي للشركة بخصوص الإجراءات والطعون القانونية؟ من المثير للدهشة أن هذا الأسلوب القانوني يوحي بأن المجلس الشرعي إما أنه ارتكب خطأً في إجازة الصفقة المذكورة وإما أنه لم يكن على علم بهذه القضية القانونية. في النهاية ما الجهة التي يجب أن يوليها المجلس الشرعي واجب الرعاية والاهتمام؟ هل هي الشركة التي يعمل لديها أم صناعة الصيرفة الإسلامية بصورة عامة".
ويضيف: ''ربما فضل المجلس الشرعي أن يكون صامتا. وإذا كان يساند بالفعل موقف دار الاستثمار فإننا على وشك أن نشهد سابقة قانونية لتعاملات منتج ''الوكالة''، حيث يمكن أن يتحول من منتج شرعي إلى تقليدي، وفقا لرؤية مناطق الاختصاص الأخرى". ويواصل: أما في حالة فضل المجلس الشرعي الوقوف مع شركته، فإن ذلك معناه أنهم يقرون بوجود خطأ من جانبهم في عملية الإشراف الشرعية على الصفقة، ووفقاً للمذكرة القانونية الخاصة بالقضية، فإن بنك لبنان والمهجر أقام دعوى ضد دار الاستثمار في إحدى المحاكم البريطانية، مطالباً إياها برأس المال الذي استثمره، إضافة إلى عائد مقداره 5 في المائة، وفقاً لصفقة مهيكلة أبرمها البنك مع دار الاستثمار في عام2007 .
إلى ذلك قال نيكن فيروزي، رئيس شركة IFR Advisors للاستشارات الشرعية، إن الدفاع المقدم من دار الاستثمار يعد تهربا من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه العقد. إذا قلنا إن العقد الأصلي كان مخالفاً للأحكام الشرعية، فإن ذلك يعد خطيئة فوق خطيئة.
ويوضح بالقول: "إن خطة الدفاع تركز على محور مخالفة النظام أو الأحكام الشرعية، بمعنى أن العقد كان في واقع الأمر مخالفاً للأحكام الشرعية منذ البداية عند دخول دار الاستثمار فيه، ثم تأتي دار الاستثمار في اللحظة الأخيرة وتستخدم هذه الحجة، فإن هذا يضع العبء الثقيل الذي لا داعي له على جميع الأطراف المتعاقدة المقابلة لتحديد ما إذا كانت التعاملات التي يقال عنها إنها ملتزمة بالأحكام الشرعية هي فعلاً تعاملات ملتزمة بالأحكام الشرعية''. وتابع: ''إذا كان العقد فعلاً مخالفاً للأحكام الشرعية، لا بد في هذه الحالة أن تبرهن دار الاستثمار على صدق نيتها وتقيل كامل أعضاء مجلسها الشرعي، وأن تدينهم علناً أو تفعل شيئاً من هذا القبيل. وينظر القضاة في الأحكام حسب طبيعة كل حالة، لكن الأحكام السابقة تسجل بالفعل إجراءً معيناً يمكن اتباعه. في نهاية الأمر فإن قرار القاضي حول ''دار الاستثمار'' يؤيد الذين يجادلون بأن المصرفية الإسلامية في الغالب لا تلتزم بالأحكام الشرعية الإسلامية إلا كنوع من الشكليات، لكن ليس في جوهرها الحقيقي.
الخبراء اعتبروا أن حجة الدفاع هذه من شأنها اثارة المخاوف بين المستثمرين خصوصا تجاه المخاطر طويلة الأجل المرتبطة بالدخول في تعامل قائم على الأحكام الشرعية.
ويرى خبراء في القانون التجاري أن التوقيت لهذه القضية وتداعياتها سيئ، خصوصا أن "الدار" تعاني صعوبات ومشكلات مالية، وأنها بذلك تحاول ابتداع ما يسهل لها التهرب من التزاماتها، لكنها يمكن أن تسبب المخاوف بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين الذين ينظرون في إمكانية الدخول في تعاملات مالية إسلامية''.
وغني عن البيان أن المؤسسات المالية المنخرطة في عمليات مشابهة بدأت من الآن تشعر بالقلق بخصوص المصرفية الإسلامية، وأنها يمكن أن تعتبر هذا القرار سبباً في الابتعاد عنها .
وبصرف النظر عن مدة تعقيد العمليات المصرفية الإسلامية إلا أن التعقيد لا يعني بالضرورة مزيدا من المخاطر، كما يقول الخبراء.
وبالعودة إلى القرار القضائي، قال خبراء إن حجة الدفاع على ما يبدو ستكون مؤشرا على إحباط دائني "الدار" ومنعهم من السعي بصورة مستقلة للحصول على تعويضات عن الأضرار في المحاكم وإرغامهم على المشاركة في عملية إعادة الهيكلة، بحيث يضفي ذلك مزيدا من عوامل اللبس، وهو أمر سيسيء للصناعة المصرفية الإسلامية.
إلى ذلك حذر خبراء في صناعة الصيرفة الإسلامية من تداعيات الحكم القضائي الذي صدر لصالح "الدار"، وذلك بعد أن استخدمت الشركة المتعثرة حجة الخشية من الوقوع في الحرام للتهرب من اتفاقياتها التعاقدية، حيث ارتكز الخبراء القانونيون تجاه الحكم الصادر، باعتباره بوابة قد تفضي إلى السماح للشركات بالتراجع عن التزاماتها التعاقدية والإفلات من الدفع للمستثمرين، مما يخلق حالة من عدم الثقة باعتبار الصفقة لم تكن أصلاً ملتزمة بالأحكام الشرعية، وهذا من شأنه إلحاق أفدح الأضرار بسمعة المصرفية الإسلامية.
ومما يضفي مزيدا من اللبس ويوقع العمل المصرفي الإسلامي في الضبابية أن حكم القضاء البريطاني بخصوص المصرفية الإسلامية ليس في خط متصل، إذ كان آخر حكم قضائي صدر من المحاكم البريطانية في عام 2005، يختلف عما صدر بحق الخلاف بين " الدار" وبنك لبنان والمهجر، حيث فصلت المحاكم في قضية بين بنك شامل البحريني وشركة بيكسيمكو (من بنجلادش)، إذ قرر قاض في إحدى المحاكم العليا الإنجليزية أن المحكمة غير مخولة بإصدار أحكام استناداً إلى الأحكام الشرعية الإسلامية، على اعتبار أنه لا يجوز أن يكون هناك نظامان متنازعان من القوانين يحكمان العقد نفسه. وقال الحكم إنه حتى لو كان التعاقد مخالفاً للأحكام الشرعية في الإسلام، فليس من صلاحية المحكمة إصدار رأي بهذا الخصوص. وأمر القاضي شركة بيكسيمكو أن تسدد ما عليها من دين.
كما قال ناطق باسم الحكومة البريطانية في العام الماضي إنه لا يمكن استخدام الأحكام الإسلامية كمبرر لارتكاب مخالفات للقانون الإنجليزي، كما لا يجوز إدراج الأحكام الشرعية الإسلامية في محكمة مدنية في سبيل حل النزاعات.
الخطير في المشهد أن المصرفية الإسلامية التي كانت تعد في الماضي ملاذاً آمناً للاستثمارات في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وذلك بالنظر إلى تحريم التعاملات القائمة على المضاربة في الشريعة الإسلامية، حيث كان هذا الجانب يعد جذاباً بصورة خاصة، على اعتبار أن الشركات المالية كانت تعاني من الأزمة الاقتصادية .
وبالنظر إلى آراء فقهاء بارزين، شككوا في شرعية معظم السندات الإسلامية، وما يستتبع ذلك من خلق أجواء غير مواتية للاستثمار وفق الشريعة الإسلامية، إضافة إلى العدد المتزايد من حالات التعثر والإعسار من بعض الشركات البارزة في المنطقة، فإن كل ذلك من شأنه تشويه صورة صناعة المصرفية الإسلامية.
''دار الاستثمار''، إضافة إلى اجتهاد القضاء الإنجليزي دفعا نحو توليد أزمة ثقة بالمصرفية الإسلامية، حيث وجه حكم المحكمة الإنجليزية في لندن ضربة مزدوجة للمنطقة، ففي الوقت الذي جفت فيه أموال التمويل من البنوك، وأسهمت متاعب "دبي العالمية" في إضفاء مزيد من التعقيد والكآبة على المزاج العام للمستثمرين، تبحث الشركات الآن عن المصرفية الإسلامية لمساعدتها على الوفاء باحتياجاتها التمويلية. لكن حتى الآن لم يتم إصدار إلا حالة واحدة من الصكوك في الخليج العربي هذا العام، وهي صكوك بقيمة 450 مليون دولار من ''دار الأركان''، وهي إحدى كبريات شركات العقارات في السعودية.
القرار القضائي كانت له تداعيات كبيرة لدى الخبراء، ففي مقابلة له مع صحيفة ''ذا ناشونال''، قال خالد هولدار من قسم الاستثمار في وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن هذه القضية التي اعتمد القرار القضائي فيها على عدم الالتزام بالأحكام الشرعية كوسيلة للتهرب من التزام تم الاتفاق عليه بين الطرفين في بداية العقد، يعد أمرا غير مسبوق ويضعف مصداقية الاتفاقيات التعاقدية.
كما يقول خبير آخر إن على المستثمرين أن يشعروا بالقلق لأن هناك احتمالاً جوهرياً أن تقوم الشركات الإسلامية باستخدام هذه الحجة الدفاعية حين تمر بأوقات عصيبة، وهو أمر من شأنه إضافة خطر آخر إلى الخطر التشغيلي للصكوك أو لأي استثمار آخر في المصرفية الإسلامية، وهذه قضية خطيرة.
وفي سياق متصل قال الشيخ مدثر صديقي، الذي يرأس قسم المعاملات الإسلامية في الشرق الأوسط في شركة دينتون وايلد سابت: ''استراتيجية الدفاع المذكورة خطرة للغاية. بالنسبة للناس الذين يتعاملون مع مؤسسات الصيرفة الإسلامية، من شأن ذلك أن يضيف مخاطر شرعية أخرى تنضم إلى المخاطر الأخرى الموجودة في السوق".
كما يقول خبير مصرفي آخر، سيفكر الذين ينوون الدخول في استثمارات إسلامية مرات عدة قبل أن يلجوا هذا الباب لاعتقادهم أن الطرف المقابل في التعاقد ربما يحاول في المستقبل أن يتجنب الوفاء بالتزاماته بالادعاء أن اتفاقية الاستثمار مخالفة للأحكام الشرعية، وربما يشعرون بقدر كبير من التشكك حين تجادل إحدى المؤسسات المالية الإسلامية بأن أحكاماً معينة في العقد لا بد منها بسبب الاعتبارات الشرعية.
حاليا تحاول ''دار الاستثمار'' صياغة توافقات مع المصارف لإعادة تمويل مبلغ بقيمة مليار دينار كويتي تقريباً، حيث أعلنت الشهر الماضي أنها قدمت طلب حماية قانونية بعد أن استمرت أقلية صغيرة من المستثمرين في التصدي لمشاريع إعادة هيكلة الدين التي أقدمت عليها الشركة.
المصرفية
الانقلاب الذي مارسته الشركة على مجلسها الشرعي كان يهدف إلى التملص من دفع أرباح "ربوية لمصلحة بنك لبنان والمهجر، بعد أن وافق المجلس الشرعي عليها من باب أنها أرباح وليست فوائد.
تفاصيل القضية بحسب مصادر مطلعة، تتلخص في قيام الفقهاء الخمسة المكونين للمجلس الشرعي قبل أقل من ثلاث سنوات بالتوقيع على فتوى إجازة معاملة شرعية تعرف باسم "الوكالة" مع بنك لبنان والمهجر، غير أن محامي الشركة الكويتية أنكر شرعية هذه الصفقة، وحجته أن هذه الصفقة كانت مخالفة للأحكام الشرعية.
إزاء ذلك وصلت القضية بين الطرفين إلى القضاء البريطاني الذي أصدر حكما قضائيا يشير إلى أن اتفاقية "الوكالة"، التي تعد عملياً نوعاً من القروض بقيمة 10.7 مليون دولار، المبرمة مع بنك لبنان والمهجر، كانت مخالفة للأحكام الشرعية. ونتيجة لذلك يتعين على "الدار" سداد رأس المال فقط، وليس الربح، الذي يدفع إلى البنك بدلاً من الفائدة بموجب الأحكام الشرعية.
ففي الوقت الذي يصر فيه البنك اللبناني على أن يحصل على نسبة 5 في المائة ربحا من هذا الاستثمار. كان القضاء البريطاني يقول كلمته التي انتصرت للرؤية الشرعية لـ "الدار".
الخبراء الذين اطلعوا على قرار القضاء قالوا إن الأساس الذي يقوم عليه التعاقد مع بنك لبنان والمهجر يقضي بأن يضع بنك لبنان والمهجر أموالاً لدى "دار الاستثمار"، حيث كان البنك يقوم بدور الموكِّل (المودع) وتقوم "دار الاستثمار" بدور الوكيل. لكن العقد يطالب الشركة بإعادة رأس المال المستثمَر، إضافة إلى ربح ثابت، وهي صفقة يقول محامو "دار الاستثمار" إنها نوع من الربا المحرم شرعاً في الإسلام. يقول القاضي في وثيقة الحكم القضائي:
يحدد العقد معدلاً متوقعاً للربح استخدم لتحديد اقتسام الربح بين الوكيل والموكل. على سبيل المثال، إذا كانت النسبة المتوقعة للربح هي 5 في المائة، فإن أية أرباح تزيد على هذه النسبة سيحتفظ بها الوكيل باعتبارها رسماً من الحوافز، وإذا كانت الأرباح أقل من 5 في المائة فإن الموكل يحتفظ بكامل الربح ويعطي مبلغ الفرق بين معدل الربح الفعلي والربح المتوقع، لكن اتفاقية الوكالة أضافت فقرة غيرت العلاقة في اتفاقية الوكالة.
الفقرة 7.1 تنص على أن الأموال التي يقدمها الموكل (المودع) سيتم استثمارها في مجموعة أموال خزانة الوكيل مع سريان المفعول اعتباراً من تاريخ القيمة. كذلك نصت الفقرة على أن الأموال ستعامَل بالتساوي مع أموال المودعين الآخرين في أموال الخزانة، وهو ما أفهمه على أنه يعني بالتساوي ودون مفاضلة. ونصت الفقرة 7.2 على أنه عند تاريخ تسوية الوكالة سيدفع الوكيل إلى الموكل (المودع) مبلغاً مساوياً للربح المذكور في العرض المرفق. هذا المبلغ كان يجب أن يُدفع ''بسبب الربح'' وفقاً للعرض الخاص بالوكالة التي من هذا القبيل. هذه الدفعة ''بسبب الربح'' كان من المفروض أن تكون مساوية للربح المتوقع. بالتالي كان هناك التزام غير مشروط بتسديد المبلغ بسبب الربح ويكون مقداره هو الربح المتوقع، بصرف النظر عما إذا تم تحقيق هذا الربح بالفعل أو لم يتحقق من خلال (ما يسمى) بالاستثمار في أموال الخزانة".
الخطورة في أمر الحكم القضائي أنه ضرب بعرض الحائط وجهة نظر المجلس الشرعي لـ "الدار"، الأمر الذي يضع العمل المصرفي الإسلامي في دائرة السؤال، إذ قبل أن تربح "الدار" القضية، رفضت بداية أن تدفع مبلغ 10.7 مليون دولار إلى بنك لبنان والمهجر، حيث تقول إن الصفقة الأصلية لم تكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، وهي سابقة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الضغط على صناعة المصرفية الإسلامية.
الصفقة المعروفة باسم الوكالة، تقضي بأن تستثمر بموجبها "الدار" أموالا كانت "دار" كوكيل تقبل الأموال من بنك لبنان والمهجر، لتستثمرها في حقول جائزة شرعاً، غير أن القضاء الإنجليزي أصدر حكماً مفاده أنه لا يتعين على دار الاستثمار الكويتية أن تتمسك بأحكام قرض إسلامي لأن العقد لم يكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، وهذا بالتالي يجعل العقد باطلاً.
"الدار" سجلت سابقة بحسب الخبراء، إذ راهنت على أن الصفقة لم تكن في النهاية ملتزمة بالأحكام الشرعية الإسلامية، وبالتالي تعد باطلة على هذا الأساس بالرغم من أن المجلس الشرعي لـ "الدار" المكون من خمسة فقهاء وافق عليها.
المدير التنفيذي لشركة للاستشارات الشرعية للمنتجات المصرفية برناردو فيزكاينو علق على الأمر بالقول: ''هل استشارت دار الاستثمار المجلس الشرعي للشركة بخصوص الإجراءات والطعون القانونية؟ من المثير للدهشة أن هذا الأسلوب القانوني يوحي بأن المجلس الشرعي إما أنه ارتكب خطأً في إجازة الصفقة المذكورة وإما أنه لم يكن على علم بهذه القضية القانونية. في النهاية ما الجهة التي يجب أن يوليها المجلس الشرعي واجب الرعاية والاهتمام؟ هل هي الشركة التي يعمل لديها أم صناعة الصيرفة الإسلامية بصورة عامة".
ويضيف: ''ربما فضل المجلس الشرعي أن يكون صامتا. وإذا كان يساند بالفعل موقف دار الاستثمار فإننا على وشك أن نشهد سابقة قانونية لتعاملات منتج ''الوكالة''، حيث يمكن أن يتحول من منتج شرعي إلى تقليدي، وفقا لرؤية مناطق الاختصاص الأخرى". ويواصل: أما في حالة فضل المجلس الشرعي الوقوف مع شركته، فإن ذلك معناه أنهم يقرون بوجود خطأ من جانبهم في عملية الإشراف الشرعية على الصفقة، ووفقاً للمذكرة القانونية الخاصة بالقضية، فإن بنك لبنان والمهجر أقام دعوى ضد دار الاستثمار في إحدى المحاكم البريطانية، مطالباً إياها برأس المال الذي استثمره، إضافة إلى عائد مقداره 5 في المائة، وفقاً لصفقة مهيكلة أبرمها البنك مع دار الاستثمار في عام2007 .
إلى ذلك قال نيكن فيروزي، رئيس شركة IFR Advisors للاستشارات الشرعية، إن الدفاع المقدم من دار الاستثمار يعد تهربا من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه العقد. إذا قلنا إن العقد الأصلي كان مخالفاً للأحكام الشرعية، فإن ذلك يعد خطيئة فوق خطيئة.
ويوضح بالقول: "إن خطة الدفاع تركز على محور مخالفة النظام أو الأحكام الشرعية، بمعنى أن العقد كان في واقع الأمر مخالفاً للأحكام الشرعية منذ البداية عند دخول دار الاستثمار فيه، ثم تأتي دار الاستثمار في اللحظة الأخيرة وتستخدم هذه الحجة، فإن هذا يضع العبء الثقيل الذي لا داعي له على جميع الأطراف المتعاقدة المقابلة لتحديد ما إذا كانت التعاملات التي يقال عنها إنها ملتزمة بالأحكام الشرعية هي فعلاً تعاملات ملتزمة بالأحكام الشرعية''. وتابع: ''إذا كان العقد فعلاً مخالفاً للأحكام الشرعية، لا بد في هذه الحالة أن تبرهن دار الاستثمار على صدق نيتها وتقيل كامل أعضاء مجلسها الشرعي، وأن تدينهم علناً أو تفعل شيئاً من هذا القبيل. وينظر القضاة في الأحكام حسب طبيعة كل حالة، لكن الأحكام السابقة تسجل بالفعل إجراءً معيناً يمكن اتباعه. في نهاية الأمر فإن قرار القاضي حول ''دار الاستثمار'' يؤيد الذين يجادلون بأن المصرفية الإسلامية في الغالب لا تلتزم بالأحكام الشرعية الإسلامية إلا كنوع من الشكليات، لكن ليس في جوهرها الحقيقي.
الخبراء اعتبروا أن حجة الدفاع هذه من شأنها اثارة المخاوف بين المستثمرين خصوصا تجاه المخاطر طويلة الأجل المرتبطة بالدخول في تعامل قائم على الأحكام الشرعية.
ويرى خبراء في القانون التجاري أن التوقيت لهذه القضية وتداعياتها سيئ، خصوصا أن "الدار" تعاني صعوبات ومشكلات مالية، وأنها بذلك تحاول ابتداع ما يسهل لها التهرب من التزاماتها، لكنها يمكن أن تسبب المخاوف بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين الذين ينظرون في إمكانية الدخول في تعاملات مالية إسلامية''.
وغني عن البيان أن المؤسسات المالية المنخرطة في عمليات مشابهة بدأت من الآن تشعر بالقلق بخصوص المصرفية الإسلامية، وأنها يمكن أن تعتبر هذا القرار سبباً في الابتعاد عنها .
وبصرف النظر عن مدة تعقيد العمليات المصرفية الإسلامية إلا أن التعقيد لا يعني بالضرورة مزيدا من المخاطر، كما يقول الخبراء.
وبالعودة إلى القرار القضائي، قال خبراء إن حجة الدفاع على ما يبدو ستكون مؤشرا على إحباط دائني "الدار" ومنعهم من السعي بصورة مستقلة للحصول على تعويضات عن الأضرار في المحاكم وإرغامهم على المشاركة في عملية إعادة الهيكلة، بحيث يضفي ذلك مزيدا من عوامل اللبس، وهو أمر سيسيء للصناعة المصرفية الإسلامية.
إلى ذلك حذر خبراء في صناعة الصيرفة الإسلامية من تداعيات الحكم القضائي الذي صدر لصالح "الدار"، وذلك بعد أن استخدمت الشركة المتعثرة حجة الخشية من الوقوع في الحرام للتهرب من اتفاقياتها التعاقدية، حيث ارتكز الخبراء القانونيون تجاه الحكم الصادر، باعتباره بوابة قد تفضي إلى السماح للشركات بالتراجع عن التزاماتها التعاقدية والإفلات من الدفع للمستثمرين، مما يخلق حالة من عدم الثقة باعتبار الصفقة لم تكن أصلاً ملتزمة بالأحكام الشرعية، وهذا من شأنه إلحاق أفدح الأضرار بسمعة المصرفية الإسلامية.
ومما يضفي مزيدا من اللبس ويوقع العمل المصرفي الإسلامي في الضبابية أن حكم القضاء البريطاني بخصوص المصرفية الإسلامية ليس في خط متصل، إذ كان آخر حكم قضائي صدر من المحاكم البريطانية في عام 2005، يختلف عما صدر بحق الخلاف بين " الدار" وبنك لبنان والمهجر، حيث فصلت المحاكم في قضية بين بنك شامل البحريني وشركة بيكسيمكو (من بنجلادش)، إذ قرر قاض في إحدى المحاكم العليا الإنجليزية أن المحكمة غير مخولة بإصدار أحكام استناداً إلى الأحكام الشرعية الإسلامية، على اعتبار أنه لا يجوز أن يكون هناك نظامان متنازعان من القوانين يحكمان العقد نفسه. وقال الحكم إنه حتى لو كان التعاقد مخالفاً للأحكام الشرعية في الإسلام، فليس من صلاحية المحكمة إصدار رأي بهذا الخصوص. وأمر القاضي شركة بيكسيمكو أن تسدد ما عليها من دين.
كما قال ناطق باسم الحكومة البريطانية في العام الماضي إنه لا يمكن استخدام الأحكام الإسلامية كمبرر لارتكاب مخالفات للقانون الإنجليزي، كما لا يجوز إدراج الأحكام الشرعية الإسلامية في محكمة مدنية في سبيل حل النزاعات.
الخطير في المشهد أن المصرفية الإسلامية التي كانت تعد في الماضي ملاذاً آمناً للاستثمارات في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وذلك بالنظر إلى تحريم التعاملات القائمة على المضاربة في الشريعة الإسلامية، حيث كان هذا الجانب يعد جذاباً بصورة خاصة، على اعتبار أن الشركات المالية كانت تعاني من الأزمة الاقتصادية .
وبالنظر إلى آراء فقهاء بارزين، شككوا في شرعية معظم السندات الإسلامية، وما يستتبع ذلك من خلق أجواء غير مواتية للاستثمار وفق الشريعة الإسلامية، إضافة إلى العدد المتزايد من حالات التعثر والإعسار من بعض الشركات البارزة في المنطقة، فإن كل ذلك من شأنه تشويه صورة صناعة المصرفية الإسلامية.
''دار الاستثمار''، إضافة إلى اجتهاد القضاء الإنجليزي دفعا نحو توليد أزمة ثقة بالمصرفية الإسلامية، حيث وجه حكم المحكمة الإنجليزية في لندن ضربة مزدوجة للمنطقة، ففي الوقت الذي جفت فيه أموال التمويل من البنوك، وأسهمت متاعب "دبي العالمية" في إضفاء مزيد من التعقيد والكآبة على المزاج العام للمستثمرين، تبحث الشركات الآن عن المصرفية الإسلامية لمساعدتها على الوفاء باحتياجاتها التمويلية. لكن حتى الآن لم يتم إصدار إلا حالة واحدة من الصكوك في الخليج العربي هذا العام، وهي صكوك بقيمة 450 مليون دولار من ''دار الأركان''، وهي إحدى كبريات شركات العقارات في السعودية.
القرار القضائي كانت له تداعيات كبيرة لدى الخبراء، ففي مقابلة له مع صحيفة ''ذا ناشونال''، قال خالد هولدار من قسم الاستثمار في وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن هذه القضية التي اعتمد القرار القضائي فيها على عدم الالتزام بالأحكام الشرعية كوسيلة للتهرب من التزام تم الاتفاق عليه بين الطرفين في بداية العقد، يعد أمرا غير مسبوق ويضعف مصداقية الاتفاقيات التعاقدية.
كما يقول خبير آخر إن على المستثمرين أن يشعروا بالقلق لأن هناك احتمالاً جوهرياً أن تقوم الشركات الإسلامية باستخدام هذه الحجة الدفاعية حين تمر بأوقات عصيبة، وهو أمر من شأنه إضافة خطر آخر إلى الخطر التشغيلي للصكوك أو لأي استثمار آخر في المصرفية الإسلامية، وهذه قضية خطيرة.
وفي سياق متصل قال الشيخ مدثر صديقي، الذي يرأس قسم المعاملات الإسلامية في الشرق الأوسط في شركة دينتون وايلد سابت: ''استراتيجية الدفاع المذكورة خطرة للغاية. بالنسبة للناس الذين يتعاملون مع مؤسسات الصيرفة الإسلامية، من شأن ذلك أن يضيف مخاطر شرعية أخرى تنضم إلى المخاطر الأخرى الموجودة في السوق".
كما يقول خبير مصرفي آخر، سيفكر الذين ينوون الدخول في استثمارات إسلامية مرات عدة قبل أن يلجوا هذا الباب لاعتقادهم أن الطرف المقابل في التعاقد ربما يحاول في المستقبل أن يتجنب الوفاء بالتزاماته بالادعاء أن اتفاقية الاستثمار مخالفة للأحكام الشرعية، وربما يشعرون بقدر كبير من التشكك حين تجادل إحدى المؤسسات المالية الإسلامية بأن أحكاماً معينة في العقد لا بد منها بسبب الاعتبارات الشرعية.
حاليا تحاول ''دار الاستثمار'' صياغة توافقات مع المصارف لإعادة تمويل مبلغ بقيمة مليار دينار كويتي تقريباً، حيث أعلنت الشهر الماضي أنها قدمت طلب حماية قانونية بعد أن استمرت أقلية صغيرة من المستثمرين في التصدي لمشاريع إعادة هيكلة الدين التي أقدمت عليها الشركة.
المصرفية