اختلف الفقهاء في حكم التأمين، فمنهم من أجازه بلا تحفظ وهم قلة قليلة، ومنهم من أجاز أنواعاً منه حتى لو كان على صفة التأمين التجاري، ولعل أول جهد فقهي جماعي يُعنى بدراسة التأمين التجاري (على أساس مجمعي) ما وقع في ندوة أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق في شوال 1380هـ (أبريل 1961م)، فقد قدمت أبحاث فقهية في التأمين تباينت آراء أصحابها ولم ينته المؤتمر إلى رأي محدد عدا الدعوة إلى ابتكار نظام إسلامي للتأمين، ثم جرى بحث الموضوع في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهـر في مؤتمـره الثاني سنة 1385هـ (1965م) وأجاز المؤتمرون فيه نظام التقاعد، كما أجازوا قيام الجمعيات التعاونية لغرض التأمين حيث يشترك جميع المستأمنين فيها في التأمين ولكنهم توقفوا في مسـألة التأمين التـجاري.
في عام 1972م دعت ندوة التشريع الإسلامي التي انعقدت في طرابلــس ليبيا إلى أن يعمل على إحلال ما سمته التأمين التعاوني محل التأمين التجاري، وفي عام (1976م) قرر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة حرمة التأمين بكل أنواعه، ثم نص قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في سنة 1398هـ على تحريم التأمين بجميع أنواعه، وكان قرار مجمع الفقه الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي) الصادر سنة 1398هـ قراراً طويلاً مفصلاً تضمن تقرير لجنة كونها المجمع وعهد إليها صياغة القرار وتكونت من الشيخ عبد العزيز بن باز ـــ رحمه الله ـــ والشيخ محمد السبيل والشيخ محمد محمود الصواف ـــ رحمه الله. وقد استندت اللجنة المذكورة (ثم المجمع الفقهي) في قولها بحرمة التأمين إلى الأوصاف التالية التي وجدتها في التأمين التجاري:
1 ـــ فيه غرر فاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف في وقت الدخول في العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ.
2 ـــ ضرب من ضروب المقامرة لأن فيه غرم بلا جناية وغنم بلا مقابل وبمقابل غير مكافئ. 3 ـــ إنه يشتمل على ربا الفضل والنسأ، فإذا دفعت الشركة إلى المستأمن أكثر مما دفع لها فهو ربا فضل، ولأنه يدفع بعد مدة فيكون ربا نسأ أيضا.
4 ـــ إنه من الرهان المحرم لأن فيه جهالة وغرر ومقامرة، وقد حصر النبي رخصة الرهان بعوض في ثلاثة في خف أو حافز أو نصل.
5 ـــ فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وهو محرم.
6 ـــ الإلزام بما لا يلزم شرعاً لأن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه.
كما ردت في تقريرها على أدلة المجيزين للتأمين، فردت استدلال إباحته بالاستصلاح بالقول إن هذه مصلحة شهد الشرع بإلغائها، وردت القول بالإباحة الأصلية أي أن الأصل في العقود الجواز لوجود النص، وردت القول بإجازتها بناء على حكم الضرورة إذ لم تر تلك ضرورة تبيح المحظور، وردت الاستدلال بالعرف لأن العرف ليس من أدلة التشريع، ونفت أن يكون التأمين من أنواع عقود المضاربة، وردت القياس على ولاء الموالاة وهو ما يكون من الفرد إذا ألحق نسبه بقبيلة أو نال حريته بالعتق لأن ذلك قصده التآخي وهذا غرضه الربح، ولم تقبل قياسه على الوعد الملزم لأن غرضه ليس المعروف بالقربة بل الربح، وكذا قياسه على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب لأن الضمان نوع من التبرع بينما التأمين معاوضة، وكذا قياس التأمين على ضمان خطر الطريق الذي قال الفقهاء بجوازه فإنه في رأي اللجنة قياس مع الفارق.
كما لم تقبل قياس التأمين على نظام التقاعد الذي سبقت الفتوى بجوازه لأن التقاعد "حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسؤولاً عن رعيته، وراعى فيه ما قام به الموظف من خدمة الأمة" فليس هو في رأي اللجنة من المعاوضات المالية. كما ردت القياس على نظام العاقلة (وعاقلة الرجل هم أفراد قبيلته يتحملون عنه دية القتل الخطأ) لأن تحمل دية القتل الخطأ وشبه العمد الأصل فيها صلة القرابة والرحم التي تدعو إلى النصرة والتواصل، أما عقود التأمين التجارية فليست كذلك، وردت قياسها على عقود الحراسة لأن الأمان ليس محلاً للعقد في المسألتين وكذا قياسه على الإيداع لأن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بالحفظ.
ذكرنا سابقاً أن الفتاوى المجمعية اتجهت إلى القول بحرمة التأمين التجاري وقدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً مقبولاً من الناحية الشرعية، فما صفة هذا التأمين، وما أوجه اختلافه عن التأمين التجاري؟ ورد في قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه:
الأول: التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.
الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة فليس عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. ويتضح مما سبق أن التأمين الذي تشير إليها الفتوى يتصف بما يلي:
1 ـــ أنه اتفاق بين مجموعة المستأمنين.
2 ـــ التزام كل فرد من المستأمنين فيه نحو الآخرين لا يتوقف على مقدار ما دفع من قسط ولكن حدوده القصوى هي نصيبه من الخطر العام لأن هذا هو معنى التعاون والتكافل.
3 ـــ أن الفتوى لا تمنع استثمار أقساط التأمين لمصلحة أصحابها ولكنها تشترط أن يكون ذلك ضمن نطاق المباح.
صيغة التأمين التعاوني:
لم تظهر شركات التأمين الإسلامية إلا بعد صدور الفتاوى المجمعية التي قدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً عن التأمين التجاري المفتى بتحريمه، وشركة التأمين التعاوني شركة وظيفتها إدارة الأموال وليس الضمان كما هو الحال في شركات التأمين التجاري، فتقوم شركة التأمين التعاوني بتصميم محافظ تأمينية مثل محفظة التأمين ضد حوادث السيارات. فتحدد طبيعة الخطر وتقوم بالحسابات الاكتوارية المناسبة وتصمم برنامج التعويض....إلخ. ثم تدعو من أراد إلى الاشتراك في هذه المحفظة بدفع قسط محدد متناسب مع الخطر. ثم تجمع هذه الأموال في المحفظة المذكورة وتديرها باستثمارها لصالح أصحابها. هذه الأموال تبقى ملكاً للمشاركين، ومهمة الشركة إدارتها لصالحهم. فإذا وقع المكروه على أحدهم، قامت الشركة بالاقتطاع من تلك الأموال ثم تعويضه بالقدر المتفق عليه. وتجري تصفية هذه المحفظة سنوياً بإصدار حسابات ختامية لها فإذا وجد في نهاية العام أن الأموال في تلك المحفظة فاضت عن حاجة تعويض من وقع عليهم المكروه، ردت الشركة ما زاد إلى المشاركين في المحفظة. وإذا نقصت تلك الأموال فلم تكن كافية لتعويض جميع من وقع عليهم المكروه في ذلك العام، كان على الشركة أن ترجع على مجموع المشاركين وتطالبهم بدفع قسط إضافي، ذلك لأن فكرة التأمين التعاوني قامت على "التكافل" بين المشتركين في المحفظة وليس على ضمان الشركة للتعويض على المكروه الذي وقع للمشترك. ولكن نظراً لصعوبة مطالبة الشركة المشتركين بدفع قسط إضافي وبخاصة أولئك منهم الذين لم يعودوا أعضاء في المحفظة تعمد شركات التأمين التعاوني إلى تقديم قرض بلا فائدة من ملاك الشركة إلى المحفظة التي احتاجت إلى الزيادة ثم تسترده في الفترة التالية. فكأنها جعلت عملية التكامل المذكورة تجري بين المشتركين في هذا العام والمشتركين من قبل.
وعلاقة الشركة بهذه المحفظة تقوم على أساس الوكالة فهي تدير المحفظة مقابل أجر مقطوع منصوص عليه في الاتفاقية، والربح إذا تحقق يكون للمشتركين وكذا الخسارة تكون عليهم إذ إن الوكيل مؤتمن فلا يضمن وربما قامت العلاقة على أساس المضاربة، فتكون الشركة مضارباً يدير المحفظة بجزء من الربح المحقق من الاستثمار. وفي هذه الحالة لا تستحق الشركة إلا نصيباً من الربح إذا تحقق.
إن الاعتراض الرئيس على صيغة التأمين التجاري هي أنها غرر ومخاطرة. ذلك أن دفع المستأمن مبلغاً من المال إلى شركة التأمين التجاري مقابل الضمان يترتب عليه الدخول في عقد شبيه بعقود الميسر والقمار. فهو عقد احتمالي ربما حصل في النهاية على تعويض يمثل أضعاف ما دفع، وربما دفع تلك الرسوم ولم يحصل على شيء، وكل ذلك معلق بأمر احتمالي هو وقوع حادث منصوص في البوليصة، هذا من عقود الغرر التي ورد النهي عنها في حديث رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم.
أما في التأمين التعاوني، فإن العملية معتمدة على التأمين المتبادل بين المشتركين وما يدفعه كل فرد منهم هو تبرع منه لهذه المحفظة التي يحصل منها التعويض. فكأنهم يجمعون مخاطرهم وكذلك أموالهم بالتبرع كي يستأمن المشترك منهم بالركون إلى مساعدة إخوانه في حال وقوع المكروه عليه.
التأصيل هو الرد إلى الأصل وأصلته جعلت له أصلا ثابتاً يبنى عليه. فما الأصل الذي بني عليه نموذج التأمين التعاوني؟
كان الاعتراض الرئيس على نموذج التأمين التجاري هو الغرر، إذ إن العلاقة التعاقدية بين المستأمن والشركة إنما هي عقد احتمالي كما سبق بيانه. والغرر في اللغة هو الخطر والخديعة وفي الاصطلاح الفقهي ما يكون مستور العاقبة، وعرفه بعض الفقهاء بأنه "ما تردد بين أمرين أحدهما أظن". وقد ورد في الحديث أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نهى عن بيع الغرر. ومن أمثلة بيوع الغرر المنهي عنها بيع الملامسة مثل أن يقول له كل ثوب لمسته فهو عليك بكذا، وبيع الحصاة كأن يرى حصاة فعلي أي شيء جاءت كان له بكذا...إلخ. وقليل الغرر لا يمكن التحرز منه مثل شراء المبنى دون الكشف عن أساساته أو السيارة دون معرفة أجزائها الداخلية....إلخ. ولكن ما يفسد العقود هو كثير الغرر الذي يترتب عليه أن تكون الحقوق والالتزامات التي تتولد من العقد. (مثلاً: قبض الثمن من قبل البائع، وقبض المبيع من قبل المشتري) فإذا كان أحدهما يحصل على حقوقه كاملة بينما الآخر حصوله على حقوقه أمر احتمالي فذلك المنهي عنه. لكن جمهور الفقهاء على أن الغرر الكثير مفسد لعقود المعاوضات مثل البيع والسلم والإجارة...إلخ. إذ إن ذلك ما ورد النهي عنه.
إن التأمين التعاوني المطبق لدينا حاليا لم يحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت تطبيقاته أقرب إلى التأمين التجاري منها إلى التأمين التعاوني ومخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. إن مصطلح «التأمين التعاوني» للتعبير أو الدلالة عن «التأمين الإسلامي» مخالف للواقع، وإن الأول ولد من رحم النظام الاقتصادي الغربي، ويعبر عن نوع من أنواع التأمين التقليدي الذي لا يلتزم بأي ضوابط شرعية وفقًا لواقعه الغربي، وإن كان ذا أهداف تعاونية.
إن استخدام مصطلح «التأمين التعاوني» للتعبير عن «التأمين الإسلامي» يعتبر من قبيل شغل تفكير الاقتصاديين الإسلاميين في مصطلحات التأمين التقليدي الغربي وأطره العامة ومبادئه الفنية، وتبديد جهودهم في محاولة إيجاد مخارج شرعية لجعل مبادئه الفنية وتطبيقاته متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بدعوى اشتمال المصطلح على معان نبيلة للتعاون، مشيرا إلى أن تمييز نموذج «التأمين الإسلامي» عن غيره من النماذج التقليدية يتطلب من الاقتصاديين الإسلاميين تركيز التفكير وتوحيد الجهود للتأصيل لمصطلح «التأمين التكافلي»، على أن يكون إطاره العام واستقلالية تطبيقاته مستمدة من الشريعة الإسلامية.
إن تطبيقات التأمين التعاوني لم تحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت التطبيقات أقرب إلى التأمين التجاري منه إلى التأمين التعاوني، وفوق هذا جاءت مخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامي .إن التأمين بمعناه الغربي بدأ تعاونيا، ومع التقدم الصناعي وزيادة التبادل التجاري بين الدول لم يستطع تطوير أساليبه ليجاري هذا التطور، فظهر التأمين التجاري ليسد حاجة الناس إلى أنواع متجددة من الأمان. وبمرور الوقت طغى تحقيق الربح على تقديم الخدمة، وتحول إلى استغلال للمستأمنين. فكانت العودة إلى التأمين التعاوني بصورته الحديثة.
كما أن التأمين الإسلامي ليس فيه ربح أو خسارة، وإنما فائض وعجز، فالربح هو الزائد على رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو التقويم للمشروع بنقد، وما زاد على رأس المال عند التنضيد أو التقويم فهو الربح. والخسارة نقيض الربح، وهي نقص رأس المال. وفي التأمين التجاري العلاقة بين شركة التأمين والمؤمن له معاوضة محضة، حيث تملك الشركة الأقساط المحصلة وتسدد منها التعويضات، وما زاد فهو ربح لها. فإذا زادت التعويضات المسددة عن الأقساط المحصلة تحققت الخسارة. أما في التأمين الإسلامي فليس هناك ربح أو خسارة، وإنما فائض لمصلحة المشتركين، بقيمة ما تبقى من تبرعات في صندوق المشتركين بعد سداد التعويضات، وأجر شركة التأمين مقابل ما قامت به من إدارة صندوق المشتركين. فإذا زادت التعويضات المسددة وأجر شركة التأمين عن التبرعات في صندوق المشتركين ظهر العجز.
أن التأمين التعاوني يستخدم ذات القواعد الفنية والقانونية والأساليب الحديثة في الإدارة والإحصاء التي تتبعها شركات التأمين التجاري دون تغيير، وذلك فيما يتعلق بطريقة حساب الأقساط وتحصيلها وإعادة التأمين وتسوية المطالبات وسدادها والمشاركة في التحمل. وتابع قائلا: «وسيكون التغيير في عدم استثمار الأموال المجمعة من التبرعات بالربا، وعدم إعادة التأمين في شركات إعادة تجارية إلا للضرورة، وإلغاء الشروط التعسفية والاستغلال من عقود التأمين، وعدم السماح بالاتجار في التأمين بقصد تحقيق الأرباح، لتعود إلى التأمين رسالته الإنسانية المتمثلة في المشاركة بين المستأمنين في تحمل الأخطار.
قدم الخبير الاقتصادي في شؤون البورصة وشركات التأمين عددا من التوصيات المهمة تجاه إيجاد تأمين تعاوني حقيقي، شملت استخدام مصطلح «التأمين التكافلي»، لأنه الأصدق في التعبير عن «التأمين الإسلامي»، لأنه نابع من شريعتنا وهويتنا الإسلامية .. كما أن تطبيقاته مستمدة من عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا، ومجالات تطبيقه أعم وأشمل من أي تأمين في عصرنا الحديث. والتوصية الثانية البدء في أخذ خطوات عملية للتأصيل للتأمين التكافلي، لكونه نقطة البداية نحو تحقيق غاية التكافل الإسلامي بمعناه الشامل، على أن يكون إطاره العام واستقلالية تطبيقاته مستمدة من الشريعة الإسلامية، والاستفادة من الجهود التي بذلت في عملية التحول من التأمين التجاري إلى التأمين التعاوني كمرحلة انتقالية لتحقيق هذه الغاية.
كما شملت التوصيات الدعوة إلى مزيد من البحث والاجتهاد، لأن تقييم التجربة أثبت أن التأمين التعاوني ما زال أسيرًا من الناحية التطبيقية لأسلوب التأمين التجاري، ما دفع البعض إلى القول إن «أنظمة التأمين ولوائحها التنفيذية ووثائق التأمين المطبقة أقرب إلى التأمين التجاري منها إلى التأمين التعاوني، ما يجعلها غير جائزة شرعا. إن هناك كثيرا من الإشكاليات العملية المتعلقة بالأنظمة واللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية الصادرة عن الجهات الرسمية بعد تقييم عملية التحول من التأمين التجاري إلى التأمين التعاوني. إن الأنظمة تنص على عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية والتقيد بما ورد في قرار هيئة كبار العلماء، هي: إن العلاقة مباشرة بين المؤمن والمؤمن له، وهيئة المشتركين لا وجود لها أو وجودها صوري، عقد التأمين «الوثيقة» قائمة على المعاوضة ونقل الخطر من المؤمن له إلى المؤمن، ومعنى التعاون في تحمل الأخطار بين المؤمن لهم غائب، بعض بنود اللائحة التنفيذية مخالف لما جاء في النظام من وجوب مراعاة الأحكام الفقهية الواردة في الفتاوى وقرارات المجامع الفقهية فيما يتعلق بالقسط «التبرع» وتوزيع الفائض واستثمار أموال الأقساط.
كما شملت الإشكاليات العملية المتعلقة بالأنظمة واللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية، أنه يوجد تعارض بين بنود اللائحة في استخدام مصطلحات التأمين التعاوني، ففي موضع يتم استخدام مصطلح الفائض للتعبير عن زيادة قيمة الأقساط عن التعويضات المدفوعة، وفي موضع آخر يتم استخدام مصطلح الخسارة للتعبير عن العجز أي زيادة التعويضات عن قيمة الأقساط. الأمر الآخر أنه تم استخدام اللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية الصادرة عن الجهات الرسمية المبادئ الفنية للتأمين التجاري دون إدخال التعديلات اللازمة عليها، حتى تتلاءم مع مبادئ الشريعة الإسلامية في العدالة والرحمة والتكافل، ولتكون محققة لمضمون مقاصد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس، مستدلا بذلك: على وضع بعض الاستثناءات وحدود للتغطية العلاجية في وثيقة الضمان الصحي، وهذه الاستثناءات وحدود التغطية قد تكون مقبولة في الأنواع الأخرى من التأمين أو في جراحات التجميل الحديثة أو العدسات اللاصقة، لأن النظارة تغني عنها، أما العلاج الطبي المتعلق بمرض فلا يصح أن تكون له حدود، لأنه من الضروريات المتعلقة بحفظ النفس من الهلاك.
إن التعامل فيما يسمى «التأمين التعاوني الإسلامي» تأمين تجاري بكل مزايا وخصائص التأمين التجاري، أو كما سماه «التأمين الإسلامي المركب». وعرض الدكتور الساعاتي بعض الدلائل على أن «التأمين التعاوني» يحمل مزايا التأمين التجاري نفسها، مشيرا إلى أنه تم استخدم الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية، لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني باستخدام الوسائل والحيل. وأفاد الدكتور الساعاتي في دراسة بحثية حول إدارة الغرر في التأمين الإسلامي، بأن توزيع جزء من الفائض التأميني ليس من الخصائص المميزة لشركات التأمين الإسلامية، وإنما تقوم به أحيانا شركات التأمين التجارية التقليدية، وطريقة توزيع الفائض في شركات التأمين الإسلامية هي الطريقة نفسها التي تتعامل بها شركات التأمين التجارية، وهذا يثبت عدم الاختلاف الكبير بينهما. وقال الدكتور الساعاتي إن شركات التأمين الإسلامي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح على اعتبار أن شركات التأمين الإسلامية وبحكم نظام تأسيسها، هي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الأرباح لحملة أسهمها، ونشاطها الرئيسي هو تجميع الأخطار ونقلها عن المستأمنين بقسط (نقل المخاطر بعوض مالي) كوسيلة لتحقيق الأرباح، وبالتالي سوف لا يكون من وظائفها دعم تكلفة الأخطار كما في التأمين الحكومي، لأنه يخالف مبدأ تحقيق أقصى الأرباح، ولا المشاركة في تحمل الخطر كما في التأمين التعاوني. الأمر الثاني تقوم شركات التأمين بوظيفة نقل المخاطر بعوض وليس المشاركة في المخاطر، ولا يجيز نظام شركات التأمين الإسلامية أن يشترك المستأمنون في ملكية الشركة، وبذلك سوف لن يشترك حملة الأسهم مع المستأمنين في تحمل تكلفة الأخطار المؤمن عليها، وبذلك لن يكون أساس التأمين هو المشاركة في تكلفة الأخطار (التعاون في تحمل الخطر) كما في شركات التأمين التعاونية التي أجمع الفقهاء على جوازها. الأمر الثالث تتحمل شركات التأمين الإسلامية مخاطر أقل وتحقق مكاسب أكبر من شركات التأمين التجارية، حيث صممت شركات التأمين الإسلامية لتحمل مخاطر أقل من شركات التأمين التجارية ومكاسب أعلى، ففي حالة عدم كفاية أقساط التأمين والاحتياطيات لدفع تعويضات الخسائر، تقوم شركات التأمين التجاري بدفع تلك الخسائر من رأسمالها واحتياطياتها، بينما تقوم شركات التأمين الإسلامية بتحميل حساب المستأمنين تلك الخسائر وذلك بإقراض مبلغ الخسائر لحساب المستأمنين ثم استرجاع ذلك القرض لاحقا، كما أن شركة التأمين الإسلامية تقوم باستثمار أقساط التأمين بصيغة المضاربة فتشارك في الغنم ولا تشارك في الغرم بينما شركات التأمين التجارية تقوم باستثمار الأقساط وتتحمل غرم وغنم ذلك الاستثمار.
لقد استخدمت الهندسة المالية في بناء النموذج حتى تنطبق عليها فتاوى التأمين التعاوني، واستخدمت الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية، لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني استخدمت الوسائل والحيل والتي منها: ــ إخراج عقد التأمين من كونه عقد معاوضة مالية لا يجوز فيها الغرر الفاحش إلى عقد تبرع وإرفاق، حيث ورد عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، لكن أفتى المالكية أن جميع عقود التبرعات لا يؤثر الغرر في صحتها، وكذلك أفتى ابن تيمية في الفتاوى، لذلك نص نظام الشركة على أن القسط المدفوع للتأمين يكون على سبيل التبرع، فعليه تكون الأقساط تبرعا من المستأمن فلا يعتبر في المعاملة الغرر الفاحش.
وحيث إن الشركة هي شركة ربحية غير مستحقة للتبرع، فقد أوجدت الشركة شخصية اعتبارية افتراضية باسم (حسابات التأمين)، وهو مجموع أرصدة أقساط التأمين ويظهر في جانب الخصوم من ميزانية الشركة، وحساب التأمين موجود في ميزانية كل شركات التأمين التجارية، وهذا الحساب ليس له كيان قانوني يمكنه من القيام بالوظائف الموكلة إليه ومنها (قبول المستأمن عضوا في هيئة المشتركين وإلزامه بدفع مبلغ مقطوع "قسط التأمين" على سبيل التبرع به وبعوائده لمصلحة حساب التأمين)، ولا يمكن أن تقبل الدولة التزام هذا الحساب بدفع التعويضات للمستأمن، وهي حيلة ظاهرة حيث من يقبض أقساط التأمين هو الشركة، وتظهر تلك الأموال في ميزانيتها ضمن خصومها أي التزامها تجاه الغير، كما أن من يلتزم بالتعويض هو الشركة، وفي حالة أي خلاف يقاضي المستأمن الشركة وليس الحساب أو مجموع المستأمنين. وحول مبرر صيغ التأمين الإسلامي المركب: قال الباحث إن كانت الصيغة القائمة على نقل الخطر بعوض في التأمين التجاري انتشرت في الغرب ليست لأنها الأفضل بل بسبب تطور ثقافة الغرب تجاه القمار، حيث أصبح القمار إلى جانب الربا أساس النظام المالي الغربي، فلا يوجد مبرر للنظام المالي الإسلامي للهرولة وراء النظام المالي الغربي ومتابعته حذو القذة بالقذة وتطويع النصوص وليها واتباع الحيل للتغير الشكلي للعقود الغربية المحرمة في الوقت الذي أجمعت الأمة الإسلامية على أن الربا والقمار من الخطوط الحمراء التي لا يمكن قبول تخطيها، وليس أدل على ذلك تعثر شركات التأمين الإسلامي وعدم نجاحها في التغلغل في المجتمعات الإسلامية وفي النظام المالي الدولي مقارنة بالصيرفة الإسلامية. يمكن الاستفادة من صيغ التأمين التعاوني التقليدي لأن الصفة المشتركة لجميع الصيغ التقليدية المبنية على المشاركة في تحمل تكلفة الأخطار هي أن مجموع المستأمنين هم الذين يقومون بالتأمين على كل مستأمن فيتعاونون على تحمل الأخطار التي تحل بأي واحد منهم ولا يهدفون إلى تحقيق الربحية كان يمكن أن يستفاد منها في بناء نظام تأمين إسلامي قائم على المشاركة في تحمل المخاطر وليس الاتجار بها.
ويمكن أن تكون منخفضة الغرر وتستجيب للضوابط الشرعية للتأمين من دون حيل، ولكن هذه الصيغة أقل ربحية من رؤوس الأموال اللاهثة وراء الأرباح المرتفعة في المنتجات المالية المذبوحة على الطريقة الإسلامية. ولفت الدكتور الساعاتي إلى أن معظم المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي لا تتوافر على التأمين الإسلامي المركب، حيث إن جميع شركات التأمين الإسلامية تقريبا هي شركات تؤسس على أسس تجارية تهدف إلى ممارسة نشاط ربحي وليس خيريا وذلك بهدف تحقيق الأرباح للمساهمين فيها، إذ ليس هدف الشركة تحقيق التعاون هدفا أصيلا، بل هو وسيلة لتحقيق الأرباح، وهذا يسقط المعيار الأول من المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي. وحيث إن تحقيق الأرباح هدف أصيل، يجعل عقد التأمين عقد معاوضة مالية ذات غرر فاحش، وهذا يسقط المعيار الثاني من المعايير الشرعية. ويرى الدكتور الساعاتي أن طرفي العقد في عقد التأمين الإسلامي ليسا واحدا، فشركة التأمين كيان قانوني له ذمة مالية وتؤسس بموجب نظام الشركات التجارية ونظامها يسمح لها بتسلم أقساط التأمين مقابل التزامها بدفع التعويضات إذا استحقت.
والمستأمنون هم أفراد أو مؤسسات يقومون بالتوقيع على عقود التأمين بصفتهم الشخصية ويلتزمون بدفع قسط التأمين مقابل التزام الشركة وليس مجموع المستأمنين بتعويضهم، وهو ما يسقط المعيار الثالث. وأضاف قائلا: «في حالة النزاع يقاضي المستأمن شركة التأمين، وليس مجموع المستأمنين الذين ليس لهم صفة قانونية أو شخصية اعتبارية، ولا عبرة بادعاء الشركة بفصل حسابات المستأمنين واعتبارها شخصية افتراضية لها صفة قانونية وهذا يسقط المعيار الثالث القاضي بأن يكون المستأمن هو المؤمن ويكشف زيف الشخصية الافتراضية.
إن نجاح المصارف الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية القائمة حالياً يحفز المستثمرين على تأسيس شركات تأمين إسلامية عملاقة جديدة لمواكبة هذه الصحوة،كما أن اعتماد الحكومات الخليجية سياسات التأمين الصحي الإلزامي على المواطنين والمقيمين ستدفع القطاع لتحقيق مزيد من النمو خلال الفترة المقبلة، حيث إن شركات التكافل استطاعت أن تصحح كثيرا من المفاهيم المغلوطة حول فكرة التأمين التكافلي على الحياة بسبب أنه يعد أحد أنواع التكافل بين أفراد المجتمع، وقد أفاد خبير مصرفي أن التقارير المالية الصادرة عن مؤسسات التصنيف أخيرا تتوقع ارتفاعا في حجم صناعة التكافل خصوصا في منطقة الخليج، حيث إن التقارير تشير إلى نمو قطاع التكافل بمعدل سنوي 20 في المئة خلال السنوات الأخيرة، إن صناعة التأمين التكافلي تدل على شمولية الإسلام ودقة تشريعاته وواقعيته، وأنه لا يقتصر على طقوس التعبد فقط بل يتناول كافة الفرعيات المتعلقة بحياة البشر على مختلف الأصعدة، وضرورة التعامل بالتأمين التعاوني بالطرق الشرعية الصحيحة بعيدا عن التحايل، ودعم الجهود السابقة في مجالات البحث في التأمين التعاوني واستعراض الوضع المهني والاقتصادي للصناعة.
1 ـــ فيه غرر فاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف في وقت الدخول في العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ.
2 ـــ ضرب من ضروب المقامرة لأن فيه غرم بلا جناية وغنم بلا مقابل وبمقابل غير مكافئ. 3 ـــ إنه يشتمل على ربا الفضل والنسأ، فإذا دفعت الشركة إلى المستأمن أكثر مما دفع لها فهو ربا فضل، ولأنه يدفع بعد مدة فيكون ربا نسأ أيضا.
4 ـــ إنه من الرهان المحرم لأن فيه جهالة وغرر ومقامرة، وقد حصر النبي رخصة الرهان بعوض في ثلاثة في خف أو حافز أو نصل.
5 ـــ فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وهو محرم.
6 ـــ الإلزام بما لا يلزم شرعاً لأن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه.
كما ردت في تقريرها على أدلة المجيزين للتأمين، فردت استدلال إباحته بالاستصلاح بالقول إن هذه مصلحة شهد الشرع بإلغائها، وردت القول بالإباحة الأصلية أي أن الأصل في العقود الجواز لوجود النص، وردت القول بإجازتها بناء على حكم الضرورة إذ لم تر تلك ضرورة تبيح المحظور، وردت الاستدلال بالعرف لأن العرف ليس من أدلة التشريع، ونفت أن يكون التأمين من أنواع عقود المضاربة، وردت القياس على ولاء الموالاة وهو ما يكون من الفرد إذا ألحق نسبه بقبيلة أو نال حريته بالعتق لأن ذلك قصده التآخي وهذا غرضه الربح، ولم تقبل قياسه على الوعد الملزم لأن غرضه ليس المعروف بالقربة بل الربح، وكذا قياسه على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب لأن الضمان نوع من التبرع بينما التأمين معاوضة، وكذا قياس التأمين على ضمان خطر الطريق الذي قال الفقهاء بجوازه فإنه في رأي اللجنة قياس مع الفارق.
كما لم تقبل قياس التأمين على نظام التقاعد الذي سبقت الفتوى بجوازه لأن التقاعد "حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسؤولاً عن رعيته، وراعى فيه ما قام به الموظف من خدمة الأمة" فليس هو في رأي اللجنة من المعاوضات المالية. كما ردت القياس على نظام العاقلة (وعاقلة الرجل هم أفراد قبيلته يتحملون عنه دية القتل الخطأ) لأن تحمل دية القتل الخطأ وشبه العمد الأصل فيها صلة القرابة والرحم التي تدعو إلى النصرة والتواصل، أما عقود التأمين التجارية فليست كذلك، وردت قياسها على عقود الحراسة لأن الأمان ليس محلاً للعقد في المسألتين وكذا قياسه على الإيداع لأن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بالحفظ.
ذكرنا سابقاً أن الفتاوى المجمعية اتجهت إلى القول بحرمة التأمين التجاري وقدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً مقبولاً من الناحية الشرعية، فما صفة هذا التأمين، وما أوجه اختلافه عن التأمين التجاري؟ ورد في قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه:
الأول: التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.
الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة فليس عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. ويتضح مما سبق أن التأمين الذي تشير إليها الفتوى يتصف بما يلي:
1 ـــ أنه اتفاق بين مجموعة المستأمنين.
2 ـــ التزام كل فرد من المستأمنين فيه نحو الآخرين لا يتوقف على مقدار ما دفع من قسط ولكن حدوده القصوى هي نصيبه من الخطر العام لأن هذا هو معنى التعاون والتكافل.
3 ـــ أن الفتوى لا تمنع استثمار أقساط التأمين لمصلحة أصحابها ولكنها تشترط أن يكون ذلك ضمن نطاق المباح.
صيغة التأمين التعاوني:
لم تظهر شركات التأمين الإسلامية إلا بعد صدور الفتاوى المجمعية التي قدمت صيغة التأمين التعاوني بديلاً عن التأمين التجاري المفتى بتحريمه، وشركة التأمين التعاوني شركة وظيفتها إدارة الأموال وليس الضمان كما هو الحال في شركات التأمين التجاري، فتقوم شركة التأمين التعاوني بتصميم محافظ تأمينية مثل محفظة التأمين ضد حوادث السيارات. فتحدد طبيعة الخطر وتقوم بالحسابات الاكتوارية المناسبة وتصمم برنامج التعويض....إلخ. ثم تدعو من أراد إلى الاشتراك في هذه المحفظة بدفع قسط محدد متناسب مع الخطر. ثم تجمع هذه الأموال في المحفظة المذكورة وتديرها باستثمارها لصالح أصحابها. هذه الأموال تبقى ملكاً للمشاركين، ومهمة الشركة إدارتها لصالحهم. فإذا وقع المكروه على أحدهم، قامت الشركة بالاقتطاع من تلك الأموال ثم تعويضه بالقدر المتفق عليه. وتجري تصفية هذه المحفظة سنوياً بإصدار حسابات ختامية لها فإذا وجد في نهاية العام أن الأموال في تلك المحفظة فاضت عن حاجة تعويض من وقع عليهم المكروه، ردت الشركة ما زاد إلى المشاركين في المحفظة. وإذا نقصت تلك الأموال فلم تكن كافية لتعويض جميع من وقع عليهم المكروه في ذلك العام، كان على الشركة أن ترجع على مجموع المشاركين وتطالبهم بدفع قسط إضافي، ذلك لأن فكرة التأمين التعاوني قامت على "التكافل" بين المشتركين في المحفظة وليس على ضمان الشركة للتعويض على المكروه الذي وقع للمشترك. ولكن نظراً لصعوبة مطالبة الشركة المشتركين بدفع قسط إضافي وبخاصة أولئك منهم الذين لم يعودوا أعضاء في المحفظة تعمد شركات التأمين التعاوني إلى تقديم قرض بلا فائدة من ملاك الشركة إلى المحفظة التي احتاجت إلى الزيادة ثم تسترده في الفترة التالية. فكأنها جعلت عملية التكامل المذكورة تجري بين المشتركين في هذا العام والمشتركين من قبل.
وعلاقة الشركة بهذه المحفظة تقوم على أساس الوكالة فهي تدير المحفظة مقابل أجر مقطوع منصوص عليه في الاتفاقية، والربح إذا تحقق يكون للمشتركين وكذا الخسارة تكون عليهم إذ إن الوكيل مؤتمن فلا يضمن وربما قامت العلاقة على أساس المضاربة، فتكون الشركة مضارباً يدير المحفظة بجزء من الربح المحقق من الاستثمار. وفي هذه الحالة لا تستحق الشركة إلا نصيباً من الربح إذا تحقق.
إن الاعتراض الرئيس على صيغة التأمين التجاري هي أنها غرر ومخاطرة. ذلك أن دفع المستأمن مبلغاً من المال إلى شركة التأمين التجاري مقابل الضمان يترتب عليه الدخول في عقد شبيه بعقود الميسر والقمار. فهو عقد احتمالي ربما حصل في النهاية على تعويض يمثل أضعاف ما دفع، وربما دفع تلك الرسوم ولم يحصل على شيء، وكل ذلك معلق بأمر احتمالي هو وقوع حادث منصوص في البوليصة، هذا من عقود الغرر التي ورد النهي عنها في حديث رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم.
أما في التأمين التعاوني، فإن العملية معتمدة على التأمين المتبادل بين المشتركين وما يدفعه كل فرد منهم هو تبرع منه لهذه المحفظة التي يحصل منها التعويض. فكأنهم يجمعون مخاطرهم وكذلك أموالهم بالتبرع كي يستأمن المشترك منهم بالركون إلى مساعدة إخوانه في حال وقوع المكروه عليه.
التأصيل هو الرد إلى الأصل وأصلته جعلت له أصلا ثابتاً يبنى عليه. فما الأصل الذي بني عليه نموذج التأمين التعاوني؟
كان الاعتراض الرئيس على نموذج التأمين التجاري هو الغرر، إذ إن العلاقة التعاقدية بين المستأمن والشركة إنما هي عقد احتمالي كما سبق بيانه. والغرر في اللغة هو الخطر والخديعة وفي الاصطلاح الفقهي ما يكون مستور العاقبة، وعرفه بعض الفقهاء بأنه "ما تردد بين أمرين أحدهما أظن". وقد ورد في الحديث أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نهى عن بيع الغرر. ومن أمثلة بيوع الغرر المنهي عنها بيع الملامسة مثل أن يقول له كل ثوب لمسته فهو عليك بكذا، وبيع الحصاة كأن يرى حصاة فعلي أي شيء جاءت كان له بكذا...إلخ. وقليل الغرر لا يمكن التحرز منه مثل شراء المبنى دون الكشف عن أساساته أو السيارة دون معرفة أجزائها الداخلية....إلخ. ولكن ما يفسد العقود هو كثير الغرر الذي يترتب عليه أن تكون الحقوق والالتزامات التي تتولد من العقد. (مثلاً: قبض الثمن من قبل البائع، وقبض المبيع من قبل المشتري) فإذا كان أحدهما يحصل على حقوقه كاملة بينما الآخر حصوله على حقوقه أمر احتمالي فذلك المنهي عنه. لكن جمهور الفقهاء على أن الغرر الكثير مفسد لعقود المعاوضات مثل البيع والسلم والإجارة...إلخ. إذ إن ذلك ما ورد النهي عنه.
إن التأمين التعاوني المطبق لدينا حاليا لم يحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت تطبيقاته أقرب إلى التأمين التجاري منها إلى التأمين التعاوني ومخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. إن مصطلح «التأمين التعاوني» للتعبير أو الدلالة عن «التأمين الإسلامي» مخالف للواقع، وإن الأول ولد من رحم النظام الاقتصادي الغربي، ويعبر عن نوع من أنواع التأمين التقليدي الذي لا يلتزم بأي ضوابط شرعية وفقًا لواقعه الغربي، وإن كان ذا أهداف تعاونية.
إن استخدام مصطلح «التأمين التعاوني» للتعبير عن «التأمين الإسلامي» يعتبر من قبيل شغل تفكير الاقتصاديين الإسلاميين في مصطلحات التأمين التقليدي الغربي وأطره العامة ومبادئه الفنية، وتبديد جهودهم في محاولة إيجاد مخارج شرعية لجعل مبادئه الفنية وتطبيقاته متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بدعوى اشتمال المصطلح على معان نبيلة للتعاون، مشيرا إلى أن تمييز نموذج «التأمين الإسلامي» عن غيره من النماذج التقليدية يتطلب من الاقتصاديين الإسلاميين تركيز التفكير وتوحيد الجهود للتأصيل لمصطلح «التأمين التكافلي»، على أن يكون إطاره العام واستقلالية تطبيقاته مستمدة من الشريعة الإسلامية.
إن تطبيقات التأمين التعاوني لم تحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت التطبيقات أقرب إلى التأمين التجاري منه إلى التأمين التعاوني، وفوق هذا جاءت مخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامي .إن التأمين بمعناه الغربي بدأ تعاونيا، ومع التقدم الصناعي وزيادة التبادل التجاري بين الدول لم يستطع تطوير أساليبه ليجاري هذا التطور، فظهر التأمين التجاري ليسد حاجة الناس إلى أنواع متجددة من الأمان. وبمرور الوقت طغى تحقيق الربح على تقديم الخدمة، وتحول إلى استغلال للمستأمنين. فكانت العودة إلى التأمين التعاوني بصورته الحديثة.
كما أن التأمين الإسلامي ليس فيه ربح أو خسارة، وإنما فائض وعجز، فالربح هو الزائد على رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو التقويم للمشروع بنقد، وما زاد على رأس المال عند التنضيد أو التقويم فهو الربح. والخسارة نقيض الربح، وهي نقص رأس المال. وفي التأمين التجاري العلاقة بين شركة التأمين والمؤمن له معاوضة محضة، حيث تملك الشركة الأقساط المحصلة وتسدد منها التعويضات، وما زاد فهو ربح لها. فإذا زادت التعويضات المسددة عن الأقساط المحصلة تحققت الخسارة. أما في التأمين الإسلامي فليس هناك ربح أو خسارة، وإنما فائض لمصلحة المشتركين، بقيمة ما تبقى من تبرعات في صندوق المشتركين بعد سداد التعويضات، وأجر شركة التأمين مقابل ما قامت به من إدارة صندوق المشتركين. فإذا زادت التعويضات المسددة وأجر شركة التأمين عن التبرعات في صندوق المشتركين ظهر العجز.
أن التأمين التعاوني يستخدم ذات القواعد الفنية والقانونية والأساليب الحديثة في الإدارة والإحصاء التي تتبعها شركات التأمين التجاري دون تغيير، وذلك فيما يتعلق بطريقة حساب الأقساط وتحصيلها وإعادة التأمين وتسوية المطالبات وسدادها والمشاركة في التحمل. وتابع قائلا: «وسيكون التغيير في عدم استثمار الأموال المجمعة من التبرعات بالربا، وعدم إعادة التأمين في شركات إعادة تجارية إلا للضرورة، وإلغاء الشروط التعسفية والاستغلال من عقود التأمين، وعدم السماح بالاتجار في التأمين بقصد تحقيق الأرباح، لتعود إلى التأمين رسالته الإنسانية المتمثلة في المشاركة بين المستأمنين في تحمل الأخطار.
قدم الخبير الاقتصادي في شؤون البورصة وشركات التأمين عددا من التوصيات المهمة تجاه إيجاد تأمين تعاوني حقيقي، شملت استخدام مصطلح «التأمين التكافلي»، لأنه الأصدق في التعبير عن «التأمين الإسلامي»، لأنه نابع من شريعتنا وهويتنا الإسلامية .. كما أن تطبيقاته مستمدة من عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا، ومجالات تطبيقه أعم وأشمل من أي تأمين في عصرنا الحديث. والتوصية الثانية البدء في أخذ خطوات عملية للتأصيل للتأمين التكافلي، لكونه نقطة البداية نحو تحقيق غاية التكافل الإسلامي بمعناه الشامل، على أن يكون إطاره العام واستقلالية تطبيقاته مستمدة من الشريعة الإسلامية، والاستفادة من الجهود التي بذلت في عملية التحول من التأمين التجاري إلى التأمين التعاوني كمرحلة انتقالية لتحقيق هذه الغاية.
كما شملت التوصيات الدعوة إلى مزيد من البحث والاجتهاد، لأن تقييم التجربة أثبت أن التأمين التعاوني ما زال أسيرًا من الناحية التطبيقية لأسلوب التأمين التجاري، ما دفع البعض إلى القول إن «أنظمة التأمين ولوائحها التنفيذية ووثائق التأمين المطبقة أقرب إلى التأمين التجاري منها إلى التأمين التعاوني، ما يجعلها غير جائزة شرعا. إن هناك كثيرا من الإشكاليات العملية المتعلقة بالأنظمة واللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية الصادرة عن الجهات الرسمية بعد تقييم عملية التحول من التأمين التجاري إلى التأمين التعاوني. إن الأنظمة تنص على عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية والتقيد بما ورد في قرار هيئة كبار العلماء، هي: إن العلاقة مباشرة بين المؤمن والمؤمن له، وهيئة المشتركين لا وجود لها أو وجودها صوري، عقد التأمين «الوثيقة» قائمة على المعاوضة ونقل الخطر من المؤمن له إلى المؤمن، ومعنى التعاون في تحمل الأخطار بين المؤمن لهم غائب، بعض بنود اللائحة التنفيذية مخالف لما جاء في النظام من وجوب مراعاة الأحكام الفقهية الواردة في الفتاوى وقرارات المجامع الفقهية فيما يتعلق بالقسط «التبرع» وتوزيع الفائض واستثمار أموال الأقساط.
كما شملت الإشكاليات العملية المتعلقة بالأنظمة واللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية، أنه يوجد تعارض بين بنود اللائحة في استخدام مصطلحات التأمين التعاوني، ففي موضع يتم استخدام مصطلح الفائض للتعبير عن زيادة قيمة الأقساط عن التعويضات المدفوعة، وفي موضع آخر يتم استخدام مصطلح الخسارة للتعبير عن العجز أي زيادة التعويضات عن قيمة الأقساط. الأمر الآخر أنه تم استخدام اللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية الصادرة عن الجهات الرسمية المبادئ الفنية للتأمين التجاري دون إدخال التعديلات اللازمة عليها، حتى تتلاءم مع مبادئ الشريعة الإسلامية في العدالة والرحمة والتكافل، ولتكون محققة لمضمون مقاصد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس، مستدلا بذلك: على وضع بعض الاستثناءات وحدود للتغطية العلاجية في وثيقة الضمان الصحي، وهذه الاستثناءات وحدود التغطية قد تكون مقبولة في الأنواع الأخرى من التأمين أو في جراحات التجميل الحديثة أو العدسات اللاصقة، لأن النظارة تغني عنها، أما العلاج الطبي المتعلق بمرض فلا يصح أن تكون له حدود، لأنه من الضروريات المتعلقة بحفظ النفس من الهلاك.
إن التعامل فيما يسمى «التأمين التعاوني الإسلامي» تأمين تجاري بكل مزايا وخصائص التأمين التجاري، أو كما سماه «التأمين الإسلامي المركب». وعرض الدكتور الساعاتي بعض الدلائل على أن «التأمين التعاوني» يحمل مزايا التأمين التجاري نفسها، مشيرا إلى أنه تم استخدم الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية، لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني باستخدام الوسائل والحيل. وأفاد الدكتور الساعاتي في دراسة بحثية حول إدارة الغرر في التأمين الإسلامي، بأن توزيع جزء من الفائض التأميني ليس من الخصائص المميزة لشركات التأمين الإسلامية، وإنما تقوم به أحيانا شركات التأمين التجارية التقليدية، وطريقة توزيع الفائض في شركات التأمين الإسلامية هي الطريقة نفسها التي تتعامل بها شركات التأمين التجارية، وهذا يثبت عدم الاختلاف الكبير بينهما. وقال الدكتور الساعاتي إن شركات التأمين الإسلامي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح على اعتبار أن شركات التأمين الإسلامية وبحكم نظام تأسيسها، هي شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الأرباح لحملة أسهمها، ونشاطها الرئيسي هو تجميع الأخطار ونقلها عن المستأمنين بقسط (نقل المخاطر بعوض مالي) كوسيلة لتحقيق الأرباح، وبالتالي سوف لا يكون من وظائفها دعم تكلفة الأخطار كما في التأمين الحكومي، لأنه يخالف مبدأ تحقيق أقصى الأرباح، ولا المشاركة في تحمل الخطر كما في التأمين التعاوني. الأمر الثاني تقوم شركات التأمين بوظيفة نقل المخاطر بعوض وليس المشاركة في المخاطر، ولا يجيز نظام شركات التأمين الإسلامية أن يشترك المستأمنون في ملكية الشركة، وبذلك سوف لن يشترك حملة الأسهم مع المستأمنين في تحمل تكلفة الأخطار المؤمن عليها، وبذلك لن يكون أساس التأمين هو المشاركة في تكلفة الأخطار (التعاون في تحمل الخطر) كما في شركات التأمين التعاونية التي أجمع الفقهاء على جوازها. الأمر الثالث تتحمل شركات التأمين الإسلامية مخاطر أقل وتحقق مكاسب أكبر من شركات التأمين التجارية، حيث صممت شركات التأمين الإسلامية لتحمل مخاطر أقل من شركات التأمين التجارية ومكاسب أعلى، ففي حالة عدم كفاية أقساط التأمين والاحتياطيات لدفع تعويضات الخسائر، تقوم شركات التأمين التجاري بدفع تلك الخسائر من رأسمالها واحتياطياتها، بينما تقوم شركات التأمين الإسلامية بتحميل حساب المستأمنين تلك الخسائر وذلك بإقراض مبلغ الخسائر لحساب المستأمنين ثم استرجاع ذلك القرض لاحقا، كما أن شركة التأمين الإسلامية تقوم باستثمار أقساط التأمين بصيغة المضاربة فتشارك في الغنم ولا تشارك في الغرم بينما شركات التأمين التجارية تقوم باستثمار الأقساط وتتحمل غرم وغنم ذلك الاستثمار.
لقد استخدمت الهندسة المالية في بناء النموذج حتى تنطبق عليها فتاوى التأمين التعاوني، واستخدمت الهندسة المالية في تصميم شركة التأمين الإسلامية لتكون شركة تأمين تعاونية، لكنها في الوقت نفسه تكون شركة تجارية ربحية تقوم بالاتجار في المخاطر ونقلها بعوض، وهي الوظيفة نفسها التي تقوم بها شركات التأمين التجارية التقليدية ولكن لكي تنطبق عليها الفتاوى الشرعية التي تجيز التأمين التعاوني استخدمت الوسائل والحيل والتي منها: ــ إخراج عقد التأمين من كونه عقد معاوضة مالية لا يجوز فيها الغرر الفاحش إلى عقد تبرع وإرفاق، حيث ورد عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، لكن أفتى المالكية أن جميع عقود التبرعات لا يؤثر الغرر في صحتها، وكذلك أفتى ابن تيمية في الفتاوى، لذلك نص نظام الشركة على أن القسط المدفوع للتأمين يكون على سبيل التبرع، فعليه تكون الأقساط تبرعا من المستأمن فلا يعتبر في المعاملة الغرر الفاحش.
وحيث إن الشركة هي شركة ربحية غير مستحقة للتبرع، فقد أوجدت الشركة شخصية اعتبارية افتراضية باسم (حسابات التأمين)، وهو مجموع أرصدة أقساط التأمين ويظهر في جانب الخصوم من ميزانية الشركة، وحساب التأمين موجود في ميزانية كل شركات التأمين التجارية، وهذا الحساب ليس له كيان قانوني يمكنه من القيام بالوظائف الموكلة إليه ومنها (قبول المستأمن عضوا في هيئة المشتركين وإلزامه بدفع مبلغ مقطوع "قسط التأمين" على سبيل التبرع به وبعوائده لمصلحة حساب التأمين)، ولا يمكن أن تقبل الدولة التزام هذا الحساب بدفع التعويضات للمستأمن، وهي حيلة ظاهرة حيث من يقبض أقساط التأمين هو الشركة، وتظهر تلك الأموال في ميزانيتها ضمن خصومها أي التزامها تجاه الغير، كما أن من يلتزم بالتعويض هو الشركة، وفي حالة أي خلاف يقاضي المستأمن الشركة وليس الحساب أو مجموع المستأمنين. وحول مبرر صيغ التأمين الإسلامي المركب: قال الباحث إن كانت الصيغة القائمة على نقل الخطر بعوض في التأمين التجاري انتشرت في الغرب ليست لأنها الأفضل بل بسبب تطور ثقافة الغرب تجاه القمار، حيث أصبح القمار إلى جانب الربا أساس النظام المالي الغربي، فلا يوجد مبرر للنظام المالي الإسلامي للهرولة وراء النظام المالي الغربي ومتابعته حذو القذة بالقذة وتطويع النصوص وليها واتباع الحيل للتغير الشكلي للعقود الغربية المحرمة في الوقت الذي أجمعت الأمة الإسلامية على أن الربا والقمار من الخطوط الحمراء التي لا يمكن قبول تخطيها، وليس أدل على ذلك تعثر شركات التأمين الإسلامي وعدم نجاحها في التغلغل في المجتمعات الإسلامية وفي النظام المالي الدولي مقارنة بالصيرفة الإسلامية. يمكن الاستفادة من صيغ التأمين التعاوني التقليدي لأن الصفة المشتركة لجميع الصيغ التقليدية المبنية على المشاركة في تحمل تكلفة الأخطار هي أن مجموع المستأمنين هم الذين يقومون بالتأمين على كل مستأمن فيتعاونون على تحمل الأخطار التي تحل بأي واحد منهم ولا يهدفون إلى تحقيق الربحية كان يمكن أن يستفاد منها في بناء نظام تأمين إسلامي قائم على المشاركة في تحمل المخاطر وليس الاتجار بها.
ويمكن أن تكون منخفضة الغرر وتستجيب للضوابط الشرعية للتأمين من دون حيل، ولكن هذه الصيغة أقل ربحية من رؤوس الأموال اللاهثة وراء الأرباح المرتفعة في المنتجات المالية المذبوحة على الطريقة الإسلامية. ولفت الدكتور الساعاتي إلى أن معظم المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي لا تتوافر على التأمين الإسلامي المركب، حيث إن جميع شركات التأمين الإسلامية تقريبا هي شركات تؤسس على أسس تجارية تهدف إلى ممارسة نشاط ربحي وليس خيريا وذلك بهدف تحقيق الأرباح للمساهمين فيها، إذ ليس هدف الشركة تحقيق التعاون هدفا أصيلا، بل هو وسيلة لتحقيق الأرباح، وهذا يسقط المعيار الأول من المعايير الشرعية للتأمين الإسلامي. وحيث إن تحقيق الأرباح هدف أصيل، يجعل عقد التأمين عقد معاوضة مالية ذات غرر فاحش، وهذا يسقط المعيار الثاني من المعايير الشرعية. ويرى الدكتور الساعاتي أن طرفي العقد في عقد التأمين الإسلامي ليسا واحدا، فشركة التأمين كيان قانوني له ذمة مالية وتؤسس بموجب نظام الشركات التجارية ونظامها يسمح لها بتسلم أقساط التأمين مقابل التزامها بدفع التعويضات إذا استحقت.
والمستأمنون هم أفراد أو مؤسسات يقومون بالتوقيع على عقود التأمين بصفتهم الشخصية ويلتزمون بدفع قسط التأمين مقابل التزام الشركة وليس مجموع المستأمنين بتعويضهم، وهو ما يسقط المعيار الثالث. وأضاف قائلا: «في حالة النزاع يقاضي المستأمن شركة التأمين، وليس مجموع المستأمنين الذين ليس لهم صفة قانونية أو شخصية اعتبارية، ولا عبرة بادعاء الشركة بفصل حسابات المستأمنين واعتبارها شخصية افتراضية لها صفة قانونية وهذا يسقط المعيار الثالث القاضي بأن يكون المستأمن هو المؤمن ويكشف زيف الشخصية الافتراضية.
إن نجاح المصارف الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية القائمة حالياً يحفز المستثمرين على تأسيس شركات تأمين إسلامية عملاقة جديدة لمواكبة هذه الصحوة،كما أن اعتماد الحكومات الخليجية سياسات التأمين الصحي الإلزامي على المواطنين والمقيمين ستدفع القطاع لتحقيق مزيد من النمو خلال الفترة المقبلة، حيث إن شركات التكافل استطاعت أن تصحح كثيرا من المفاهيم المغلوطة حول فكرة التأمين التكافلي على الحياة بسبب أنه يعد أحد أنواع التكافل بين أفراد المجتمع، وقد أفاد خبير مصرفي أن التقارير المالية الصادرة عن مؤسسات التصنيف أخيرا تتوقع ارتفاعا في حجم صناعة التكافل خصوصا في منطقة الخليج، حيث إن التقارير تشير إلى نمو قطاع التكافل بمعدل سنوي 20 في المئة خلال السنوات الأخيرة، إن صناعة التأمين التكافلي تدل على شمولية الإسلام ودقة تشريعاته وواقعيته، وأنه لا يقتصر على طقوس التعبد فقط بل يتناول كافة الفرعيات المتعلقة بحياة البشر على مختلف الأصعدة، وضرورة التعامل بالتأمين التعاوني بالطرق الشرعية الصحيحة بعيدا عن التحايل، ودعم الجهود السابقة في مجالات البحث في التأمين التعاوني واستعراض الوضع المهني والاقتصادي للصناعة.