شدد خبراء مصرفيون على ضرورة مراقبة المصارف المركزية لسير انضباطية المصارف التي تقع تحت لوائها، بشكل يجمع بين المرونة والصرامة بما يتفق وقوانين الشريعة الإسلامية، داعين القائمين على أمرها إلى دراسة ووضع معايير لحوكمة الهيئات الشرعية التي تدير الشأن الشرعي لتك المصارف. وقال المتخصصون المصرفيون إن مجلس الخدمات المالية الإسلامية تقع عليه مسؤولية وضع معايير لمؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية في المصارف التي تقع تحت مظلته. مشددين على ضرورة الإسراع في المبادرة لمراجعة ما وضع من معايير سابقة.
الدكتور عبد الرحمن باعشن الخبير الاقتصادي، أوضح أن التمويل الإسلامي لا يحتاج إلى معاملة تفضيلية، ولكنه يحتاج من السلطات الحكومية معاملة متكافئة، بحيث تتساوى فرص العمل بينه وبين التمويل التقليدي، حتى تكون المنافسة متكافئة وعادلة بين الطرفين.
وفي سبيل ذلك، يرى باعشن ضرورة أن تراعي البنوك المركزية طبيعة التمويل الإسلامي والحاجة لاستخدام قواعد للرقابة على البنوك الإسلامية تتفق مع طبيعتها، أما تطبيق قواعد الإشراف المخصصة للبنوك التقليدية، فيعد مضرا بالبنوك الإسلامية.
وأشار باعشن إلى أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي أسسته عدد من الدول التي لديها تمويل إسلامي، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدولية، قام مجتهدا بصياغة قواعد رقابية تناسب البنوك الإسلامية، غير أن التجربة توضح أهمية مراجعة هذه الصياغات لتناسب المستجدات، والأولى أن تقوم البنوك المركزية فورا بوضع تلك القواعد موضع التطبيق.
وأكد الخبير الاقتصادي السعودي أنه لا بد من وضع قواعد لحوكمة الهيئات الشرعية، بحيث تتكون كل هيئة من عدد فردي من المجتهدين من حملة الدكتوراه في الشريعة، من جامعات تصنف بين العشرة أو العشرين الأوائل في تدريس الشريعة.
من جانبه، اقترح الخبير المصرفي الدكتور معبد الجارحي، أن تقوم رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية في تصنيف الجامعات التي تدرس الشريعة، وترتيبها من حيث القدرة على تخريج المجتهدين، وتحديث التصنيف سنويا، كما يجب أن تضم كل هيئة شرعية عضوا من المتخصصين في الاقتصاد والمال لشرح المآلات الاقتصادية والمالية للسادة الفقهاء، حتى يأخذونها في الاعتبار عند إصدار الأحكام.
وقال الجارحي: «ولا بد أيضا من أن يعيد كل من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية النظر في عضوية هيئاته الشرعية، بحيث تتوافر فيها الشروط المطلوبة».
واقترح الجارحي أن تقوم البنوك المركزية فورا بإصدار وتطبيق قواعد حوكمة الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية.
ومن الناحية التشريعية، يرى أن البنوك الإسلامية تحتاج إلى أن يسمح لها بإنشاء الشركات وتملكها، لكي تتمكن من استخدام عقد المشاركة في التمويل بصورة فاعلة، كما يسمح لها ببيع وشراء السلع والخدمات والأدوات المالية، وأن تعامل جميع أنشطتها من الناحية الضريبية معاملة الأنشطة المالية وليست التجارية.
ومن جانبه، أشار الخبير القانوني الدكتور فهد العنزي، إلى أهمية مفهوم حوكمة الشركات بهدف حماية مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات ككل، بما يسهم في سلامة الاقتصادات وتحقيق التنمية الشاملة في كل من الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء من النواحي الاقتصادية والقانونية والاجتماعية لتداخله في الكثير من الأمور التنظيمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية للشركات.
وقال العنزي: «على الرغم من اختلاف القوانين والنظم الأساسية المرتبطة بحوكمة الشركات بين الدول، فإن الدول الإسلامية بحاجة لوضع أنظمة قانونية تكون صمام الأمان الضامن لحوكمة جيدة للشركات، وذلك بهدف دمجها في المفاهيم العامة لتتداخل مع العادات والتقاليد الإدارية، وتصبح منهجا معتمدا». كما يمكن تكملة ذلك باعتماد كل من معايير الإفصاح والشفافية ومعايير المحاسبة، التي تعتبر عصب مبادئ حوكمة الشركات، ليصبح لدى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية منظومة إدارية خاصة لا يصح تقييم الأداء إلا من خلالها.
وبمقارنة هذه المعطيات مع المضمون الإداري في المؤسسات المالية الإسلامية التي يتوجب عليها في اتباع الحوكمة، احترام عدة قواعد تمثل ضوابط تشغيلية للمؤسسات الإسلامية سواء كانت داخلية أو خارجية.
وفي هذا الصدد دعا الخبير القانوني، إلى ضرورة تحسين البيئة الاستثمارية والقانونية والتشريعية لدى المصارف الإسلامية، مقترحا تأسيس كيان توكل إليه مراجعات القائمة بين البنوك، بما يتوافق مع المنهج الإسلامي كمركز للبحوث، ومن ثم دعمه بالمال والباحثين الأكفاء. ويجزم الدكتور فهد العنزي أن سن التشريعات لا يكفي ما لم تكن هناك وسيلة ناجعة لمراقبة الالتزام باتباع قواعد وضوابط الاستثمار والتمويل الإسلامي. موضحا أن التنسيق الجيد بين الدول الإسلامية في البحث والتطبيق لإيجاد بديل إسلامي قوي وفعال للمعاملات المالية وطرق الإقراض والضمانات لخلق بيئة مالية قوية تدعم اقتصاديات الدول الإسلامية.
وقال العنزي: «حان الوقت لتدخل الحكومات من خلال البنوك المركزية للرقابة على المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية والبورصة لمنع كل صور المضاربات مع إدارة ميدانية قوية تصحب معها عوامل الأزمة المالية وطريقة معالجتها بالرقابة والتفتيش حتى لا تكون إحدى ثغرات النظام الإسلامي أكثر منه وسيلة مسوقة لنجاعة وقوة المصرفية الإسلامية».
ويعتقد العنزي أنه من شأن ذلك، تشجيع الاستثمار البيني وإعطاء أولوية في تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في ظل تأصيل وترسيخ ثقافة العمل وفق قواعد الشفافية وتوفير المعلومات الإحصائية على المستوى المصرفي، مع أهمية دعم الأسس القانونية التي تدعو إلى دعم المنافسة ومحاربة الاحتكار، مع أهمية محاربة السلوك المالي المنحرف والالتزام بحماية المدخرات وصيانتها وضمان الودائع وفق القانون الإسلامي.
وأضاف العنزي: «ذلك من شأنه تقوية وزيادة فعالية وكفاءة النظام الإسلامي لفض النزاعات بشكل ميسور وغير معقد، مع الاحتفاظ بحق مراجعة إجراءات تنفيذ الأحكام، وتفعيل مبادئ التعويض عن الضرر ومعاقبة المطل، ولو تطلب الأمر حصر الأنظمة ذات العلاقة بالمعاملات المالية والتجارية بصورة عامة، كنظام الأوراق المالية والنظم الائتمانية ونظام الاستثمار وأنظمة مؤسسة النقد والبنوك وأنظمة السوق المالية وغيرها من الأنظمة ذات الصلة».
إلى ذلك، بينت دراسة أكاديمية أجريت حول أثر حوكمة الشركات على سياسة توزيع الأرباح في الشركات العاملة في السوق المالية، التي تضمنت 7 معايير (انضباط الإدارة والشفافية والاستقلالية والمساءلة والمسؤولية والعدالة والوعي الاجتماعي)، ووجود تأثير مباشر لحوكمة الشركات على ربحية الشركات والمتمثلة بمعدل العائد على الموجودات.
وشددت دراسة المعهد العربي للتخطيط التي صدرت مؤخرا، على أن كل أسواق الأوراق المالية العربية في حاجة ملحة إلى تطوير قواعد الشفافية والإفصاح والأطر المؤسسية، خصوصا تلك المتعلقة بحوكمة الشركات، مشيرة إلى «غياب الاستقلال المالي والإداري للبورصات العربية»، و«غياب أو ضعف الإطار التشريعي الملزم للشركات المدرجة في الأسواق العربية بالتقيد بمعايير المحاسبة ومتطلبات الشفافية والوضوح شأن معلومات التقارير المالية».
ونوهت الدراسة بأن أداء أسواق الأوراق المالية يتأثر بالعوامل التشريعية والمؤسسية، كوجود قوانين مكتملة وآليات متابعة لتنفيذ هذه القوانين، «لإلزام مؤسسات الوساطة المالية بالإفصاح عن المعلومات المنشورة لديها، وتحري الدقة في صحتها ومدلولاتها».
وجاء في الدراسة أن المعايير الدولية لحوكمة الشركات تشدد على الالتزام بالحوكمة الرشيدة، وهيكلة ومهام مجلس الإدارة وبيئة وإجراءات الرقابة والشفافية والإفصاح، وأسلوب التعامل مع مالكي حصص الأقلية.
ولاحظت الدراسة أن «معظم المؤسسات المالية خصوصا البنوك في الدول العربية، لا تطبق معايير حوكمة الشركات سواء هيكليا أو تنظيميا أو حتى تطبيق مبدأ الشفافية والوضوح».
ورأت الدراسة أنه وعلى الرغم من الاختلاف حول درجة تطور الأطر الرقابية والمؤسسية بين أسواق الأسهم العربية، فإن نتائج الأبحاث التطبيقية بخصوص قياس مؤشرات الإفصاح والشفافية، توضح أن الأسواق العربية كلها في حاجة ملحة إلى تطوير قواعد الشفافية والإفصاح والأطر المؤسسية، خصوصا تلك «المتعلقة بحوكمة الشركات بغية تطوير متطلبات الشفافية وتقليل أثر المضاربات وأنشطة المتاجرة الداخلية السائدة في معظم الأسواق العربية».
واعتبرت الدراسة أن أهم المعوقات التي تقلل من شفافية أسواق الأسهم العربية، غياب التشريعات المتعلقة بفصل الدور التشريعي الذي تقوم به هيئة السوق المعنية من قبل الحكومة عن الدور التنفيذي الذي تقوم به إدارة البورصة، بالإضافة إلى غياب الاستقلال المالي والإداري للبورصات العربية، الأمر الذي يزيد من تدخل الحكومة ومعاملتها كإحدى وحدات القطاع العام.
أمام ذلك نادى خبير التمويل الإسلامي مسفر آل دحيم، بتأسيس مشروع النظام يمكن الشركات والمؤسسات المالية بما يتفق مع مقاصد السلطة التي تعزز الاستثمار ونشر ثقافة الحوكمة داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، سعيا لتعزيز مبادئ الشفافية والعدالة والمساواة بين مختلف قطاعات الأعمال المصرفية.
وشدد آل دحيم على ضرورة تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح والعدالة والمساواة لجميع قطاعات الأعمال والمؤسسات المالية، بما يحقق أهداف ونهج الحوكمة، الذي من شأنه أن يحقق وضع وتصميم هياكل إدارية تكفل تحديد الاختصاصات وتحقيق الشفافية، ووضع آليات للحد من الصعوبات التي تواجه ممارسة الحوكمة الجيدة، إلى جانب الاستفادة من التجارب العالمية في تطبيق مبادئ الحوكمة لتطوير ثقافة العمل الجاد والسلوك والآداب المهنية.
وأشار آل دحيم إلى أن استيعاب مفهوم الحوكمة لدى جهات العمل المالي والمصرفي سيعمل على تطوير أداء المؤسسات والمصارف الإسلامية. موضحا أن الحوكمة تساعد على تطوير الإنتاج ومنع الفساد، وتؤدي إلى ازدهار الأعمال وتنمية المكتسبات. مبينا ما لها من أثر كبير في تعزيز القدرات التنافسية داخل مختلف الكيانات والمنظمات.
وأضاف آل دحيم: «لا بد من تنام كبير في ثقافة مفهوم الحوكمة حتى يولد اهتمام وقناعة المسؤولين وصناع القرار، بأهمية الحوكمة وأثرها في تحقيق نمو وازدهار الأعمال والأنشطة المالية». مشيرا إلى أن تغلغل مفهوم الحوكمة داخل مؤسسات القطاع المالي وسعيها نحو تأطيره من خلال مجالس إدارتها وأجهزتها المختلفة سيمكنها من تحقيق أكبر قدر من المنفعة لكل الأطراف.
أما المحلل المالي عبد الرحمن العطا، فقد أكد أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية لم يأل جهدا في إبراز وتوضيح مفهوم ومضمون حوكمة المصارف الإسلامية. مشيرا إلى أن المبادئ الإرشادية التي جاءت في معيار حوكمة المنشآت المالية الإسلامية الصادر عنه من قبل خمس سنوات، توصي بعدد من الموجهات المهمة، داعيا المصارف للالتزام بها، بما في ذلك اعتماد التوصيات ذات العلاقة مثل مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وورقة لجنة بازل للإشراف المصرفي وتعاليم وتوجيهات السلطات الإشرافية.
وقال العطا: «أوصى المبدأ بضرورة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، وتزويد مجلس الإدارة بالتقارير التي تبين مدى التزام مؤسسة الخدمات المالية الإسلامية بالمعايير المحاسبية المتعارف عليها دوليا، وضرورة تحمل المجلس مسؤولية ائتمانية تجاه أصحاب حسابات الاستثمار، مع الإفصاح والشفافية عن المعلومات، بالإضافة إلى تكليف لجنة ضوابط الإدارة بمراقبة احتياطي معدل الأرباح واحتياطي المخاطر».
ويعتقد العطا ضرورة أن يحصل المراجعون الداخليون والمراقبون الشرعيون على التدريب اللازم والمناسب لتحسين مهاراتهم من حيث مراجعة مدى الالتزام بالشريعة، مع أهمية الشفافية في اعتمادها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها الصادرة عن علماء الشريعة للمؤسسة، كما يجب على المنشأة الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية المركزية أو الإفصاح عن سبب عدم الالتزام، مع أهمية توفير المعلومات لأصحاب حسابات الاستثمار حول أسس توزيع الأرباح قبل فتح حساب الاستثمار، خاصة نسبة المشاركة في الأرباح والخسائر.
الشرق الأوسط
وفي سبيل ذلك، يرى باعشن ضرورة أن تراعي البنوك المركزية طبيعة التمويل الإسلامي والحاجة لاستخدام قواعد للرقابة على البنوك الإسلامية تتفق مع طبيعتها، أما تطبيق قواعد الإشراف المخصصة للبنوك التقليدية، فيعد مضرا بالبنوك الإسلامية.
وأشار باعشن إلى أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي أسسته عدد من الدول التي لديها تمويل إسلامي، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدولية، قام مجتهدا بصياغة قواعد رقابية تناسب البنوك الإسلامية، غير أن التجربة توضح أهمية مراجعة هذه الصياغات لتناسب المستجدات، والأولى أن تقوم البنوك المركزية فورا بوضع تلك القواعد موضع التطبيق.
وأكد الخبير الاقتصادي السعودي أنه لا بد من وضع قواعد لحوكمة الهيئات الشرعية، بحيث تتكون كل هيئة من عدد فردي من المجتهدين من حملة الدكتوراه في الشريعة، من جامعات تصنف بين العشرة أو العشرين الأوائل في تدريس الشريعة.
من جانبه، اقترح الخبير المصرفي الدكتور معبد الجارحي، أن تقوم رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية في تصنيف الجامعات التي تدرس الشريعة، وترتيبها من حيث القدرة على تخريج المجتهدين، وتحديث التصنيف سنويا، كما يجب أن تضم كل هيئة شرعية عضوا من المتخصصين في الاقتصاد والمال لشرح المآلات الاقتصادية والمالية للسادة الفقهاء، حتى يأخذونها في الاعتبار عند إصدار الأحكام.
وقال الجارحي: «ولا بد أيضا من أن يعيد كل من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية النظر في عضوية هيئاته الشرعية، بحيث تتوافر فيها الشروط المطلوبة».
واقترح الجارحي أن تقوم البنوك المركزية فورا بإصدار وتطبيق قواعد حوكمة الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية.
ومن الناحية التشريعية، يرى أن البنوك الإسلامية تحتاج إلى أن يسمح لها بإنشاء الشركات وتملكها، لكي تتمكن من استخدام عقد المشاركة في التمويل بصورة فاعلة، كما يسمح لها ببيع وشراء السلع والخدمات والأدوات المالية، وأن تعامل جميع أنشطتها من الناحية الضريبية معاملة الأنشطة المالية وليست التجارية.
ومن جانبه، أشار الخبير القانوني الدكتور فهد العنزي، إلى أهمية مفهوم حوكمة الشركات بهدف حماية مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات ككل، بما يسهم في سلامة الاقتصادات وتحقيق التنمية الشاملة في كل من الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء من النواحي الاقتصادية والقانونية والاجتماعية لتداخله في الكثير من الأمور التنظيمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية للشركات.
وقال العنزي: «على الرغم من اختلاف القوانين والنظم الأساسية المرتبطة بحوكمة الشركات بين الدول، فإن الدول الإسلامية بحاجة لوضع أنظمة قانونية تكون صمام الأمان الضامن لحوكمة جيدة للشركات، وذلك بهدف دمجها في المفاهيم العامة لتتداخل مع العادات والتقاليد الإدارية، وتصبح منهجا معتمدا». كما يمكن تكملة ذلك باعتماد كل من معايير الإفصاح والشفافية ومعايير المحاسبة، التي تعتبر عصب مبادئ حوكمة الشركات، ليصبح لدى المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية منظومة إدارية خاصة لا يصح تقييم الأداء إلا من خلالها.
وبمقارنة هذه المعطيات مع المضمون الإداري في المؤسسات المالية الإسلامية التي يتوجب عليها في اتباع الحوكمة، احترام عدة قواعد تمثل ضوابط تشغيلية للمؤسسات الإسلامية سواء كانت داخلية أو خارجية.
وفي هذا الصدد دعا الخبير القانوني، إلى ضرورة تحسين البيئة الاستثمارية والقانونية والتشريعية لدى المصارف الإسلامية، مقترحا تأسيس كيان توكل إليه مراجعات القائمة بين البنوك، بما يتوافق مع المنهج الإسلامي كمركز للبحوث، ومن ثم دعمه بالمال والباحثين الأكفاء. ويجزم الدكتور فهد العنزي أن سن التشريعات لا يكفي ما لم تكن هناك وسيلة ناجعة لمراقبة الالتزام باتباع قواعد وضوابط الاستثمار والتمويل الإسلامي. موضحا أن التنسيق الجيد بين الدول الإسلامية في البحث والتطبيق لإيجاد بديل إسلامي قوي وفعال للمعاملات المالية وطرق الإقراض والضمانات لخلق بيئة مالية قوية تدعم اقتصاديات الدول الإسلامية.
وقال العنزي: «حان الوقت لتدخل الحكومات من خلال البنوك المركزية للرقابة على المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية والبورصة لمنع كل صور المضاربات مع إدارة ميدانية قوية تصحب معها عوامل الأزمة المالية وطريقة معالجتها بالرقابة والتفتيش حتى لا تكون إحدى ثغرات النظام الإسلامي أكثر منه وسيلة مسوقة لنجاعة وقوة المصرفية الإسلامية».
ويعتقد العنزي أنه من شأن ذلك، تشجيع الاستثمار البيني وإعطاء أولوية في تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في ظل تأصيل وترسيخ ثقافة العمل وفق قواعد الشفافية وتوفير المعلومات الإحصائية على المستوى المصرفي، مع أهمية دعم الأسس القانونية التي تدعو إلى دعم المنافسة ومحاربة الاحتكار، مع أهمية محاربة السلوك المالي المنحرف والالتزام بحماية المدخرات وصيانتها وضمان الودائع وفق القانون الإسلامي.
وأضاف العنزي: «ذلك من شأنه تقوية وزيادة فعالية وكفاءة النظام الإسلامي لفض النزاعات بشكل ميسور وغير معقد، مع الاحتفاظ بحق مراجعة إجراءات تنفيذ الأحكام، وتفعيل مبادئ التعويض عن الضرر ومعاقبة المطل، ولو تطلب الأمر حصر الأنظمة ذات العلاقة بالمعاملات المالية والتجارية بصورة عامة، كنظام الأوراق المالية والنظم الائتمانية ونظام الاستثمار وأنظمة مؤسسة النقد والبنوك وأنظمة السوق المالية وغيرها من الأنظمة ذات الصلة».
إلى ذلك، بينت دراسة أكاديمية أجريت حول أثر حوكمة الشركات على سياسة توزيع الأرباح في الشركات العاملة في السوق المالية، التي تضمنت 7 معايير (انضباط الإدارة والشفافية والاستقلالية والمساءلة والمسؤولية والعدالة والوعي الاجتماعي)، ووجود تأثير مباشر لحوكمة الشركات على ربحية الشركات والمتمثلة بمعدل العائد على الموجودات.
وشددت دراسة المعهد العربي للتخطيط التي صدرت مؤخرا، على أن كل أسواق الأوراق المالية العربية في حاجة ملحة إلى تطوير قواعد الشفافية والإفصاح والأطر المؤسسية، خصوصا تلك المتعلقة بحوكمة الشركات، مشيرة إلى «غياب الاستقلال المالي والإداري للبورصات العربية»، و«غياب أو ضعف الإطار التشريعي الملزم للشركات المدرجة في الأسواق العربية بالتقيد بمعايير المحاسبة ومتطلبات الشفافية والوضوح شأن معلومات التقارير المالية».
ونوهت الدراسة بأن أداء أسواق الأوراق المالية يتأثر بالعوامل التشريعية والمؤسسية، كوجود قوانين مكتملة وآليات متابعة لتنفيذ هذه القوانين، «لإلزام مؤسسات الوساطة المالية بالإفصاح عن المعلومات المنشورة لديها، وتحري الدقة في صحتها ومدلولاتها».
وجاء في الدراسة أن المعايير الدولية لحوكمة الشركات تشدد على الالتزام بالحوكمة الرشيدة، وهيكلة ومهام مجلس الإدارة وبيئة وإجراءات الرقابة والشفافية والإفصاح، وأسلوب التعامل مع مالكي حصص الأقلية.
ولاحظت الدراسة أن «معظم المؤسسات المالية خصوصا البنوك في الدول العربية، لا تطبق معايير حوكمة الشركات سواء هيكليا أو تنظيميا أو حتى تطبيق مبدأ الشفافية والوضوح».
ورأت الدراسة أنه وعلى الرغم من الاختلاف حول درجة تطور الأطر الرقابية والمؤسسية بين أسواق الأسهم العربية، فإن نتائج الأبحاث التطبيقية بخصوص قياس مؤشرات الإفصاح والشفافية، توضح أن الأسواق العربية كلها في حاجة ملحة إلى تطوير قواعد الشفافية والإفصاح والأطر المؤسسية، خصوصا تلك «المتعلقة بحوكمة الشركات بغية تطوير متطلبات الشفافية وتقليل أثر المضاربات وأنشطة المتاجرة الداخلية السائدة في معظم الأسواق العربية».
واعتبرت الدراسة أن أهم المعوقات التي تقلل من شفافية أسواق الأسهم العربية، غياب التشريعات المتعلقة بفصل الدور التشريعي الذي تقوم به هيئة السوق المعنية من قبل الحكومة عن الدور التنفيذي الذي تقوم به إدارة البورصة، بالإضافة إلى غياب الاستقلال المالي والإداري للبورصات العربية، الأمر الذي يزيد من تدخل الحكومة ومعاملتها كإحدى وحدات القطاع العام.
أمام ذلك نادى خبير التمويل الإسلامي مسفر آل دحيم، بتأسيس مشروع النظام يمكن الشركات والمؤسسات المالية بما يتفق مع مقاصد السلطة التي تعزز الاستثمار ونشر ثقافة الحوكمة داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، سعيا لتعزيز مبادئ الشفافية والعدالة والمساواة بين مختلف قطاعات الأعمال المصرفية.
وشدد آل دحيم على ضرورة تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح والعدالة والمساواة لجميع قطاعات الأعمال والمؤسسات المالية، بما يحقق أهداف ونهج الحوكمة، الذي من شأنه أن يحقق وضع وتصميم هياكل إدارية تكفل تحديد الاختصاصات وتحقيق الشفافية، ووضع آليات للحد من الصعوبات التي تواجه ممارسة الحوكمة الجيدة، إلى جانب الاستفادة من التجارب العالمية في تطبيق مبادئ الحوكمة لتطوير ثقافة العمل الجاد والسلوك والآداب المهنية.
وأشار آل دحيم إلى أن استيعاب مفهوم الحوكمة لدى جهات العمل المالي والمصرفي سيعمل على تطوير أداء المؤسسات والمصارف الإسلامية. موضحا أن الحوكمة تساعد على تطوير الإنتاج ومنع الفساد، وتؤدي إلى ازدهار الأعمال وتنمية المكتسبات. مبينا ما لها من أثر كبير في تعزيز القدرات التنافسية داخل مختلف الكيانات والمنظمات.
وأضاف آل دحيم: «لا بد من تنام كبير في ثقافة مفهوم الحوكمة حتى يولد اهتمام وقناعة المسؤولين وصناع القرار، بأهمية الحوكمة وأثرها في تحقيق نمو وازدهار الأعمال والأنشطة المالية». مشيرا إلى أن تغلغل مفهوم الحوكمة داخل مؤسسات القطاع المالي وسعيها نحو تأطيره من خلال مجالس إدارتها وأجهزتها المختلفة سيمكنها من تحقيق أكبر قدر من المنفعة لكل الأطراف.
أما المحلل المالي عبد الرحمن العطا، فقد أكد أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية لم يأل جهدا في إبراز وتوضيح مفهوم ومضمون حوكمة المصارف الإسلامية. مشيرا إلى أن المبادئ الإرشادية التي جاءت في معيار حوكمة المنشآت المالية الإسلامية الصادر عنه من قبل خمس سنوات، توصي بعدد من الموجهات المهمة، داعيا المصارف للالتزام بها، بما في ذلك اعتماد التوصيات ذات العلاقة مثل مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وورقة لجنة بازل للإشراف المصرفي وتعاليم وتوجيهات السلطات الإشرافية.
وقال العطا: «أوصى المبدأ بضرورة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، وتزويد مجلس الإدارة بالتقارير التي تبين مدى التزام مؤسسة الخدمات المالية الإسلامية بالمعايير المحاسبية المتعارف عليها دوليا، وضرورة تحمل المجلس مسؤولية ائتمانية تجاه أصحاب حسابات الاستثمار، مع الإفصاح والشفافية عن المعلومات، بالإضافة إلى تكليف لجنة ضوابط الإدارة بمراقبة احتياطي معدل الأرباح واحتياطي المخاطر».
ويعتقد العطا ضرورة أن يحصل المراجعون الداخليون والمراقبون الشرعيون على التدريب اللازم والمناسب لتحسين مهاراتهم من حيث مراجعة مدى الالتزام بالشريعة، مع أهمية الشفافية في اعتمادها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها الصادرة عن علماء الشريعة للمؤسسة، كما يجب على المنشأة الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية المركزية أو الإفصاح عن سبب عدم الالتزام، مع أهمية توفير المعلومات لأصحاب حسابات الاستثمار حول أسس توزيع الأرباح قبل فتح حساب الاستثمار، خاصة نسبة المشاركة في الأرباح والخسائر.
الشرق الأوسط