بداية، ينبغي أن نقرر أن التوريق في النظام الاقتصادي الإسلامي يختلف تماماً عن التوريق في المنظومة التقليدية، فبينما يعني التوريق التقليدي عملية الحصول على الأموال استناداً إلى الديون المصرفية القائمة عن طريق ابتكار أصول مالية جديدة فهو تحويل للموجودات المالية من القرض الأصلي إلى آخرين في معظم صوره، وهو مصطلح حديث نسبياً، فإن التوريق في النظام الإسلامي، عند فقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية، يعني عملية إصدار سندات “صكوك” ذات قيمة مالية متساوية تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خليط منهما (أعيان ومنافع وديون) في الذمة والتي تكون صادرة وفق عقد شرعي استناداً إلى صيغ التمويل الجائزة شرعاً .
ولقد ظهر هذا النوع من التمويل لتمكين المتعاملين من الحصول على النقد بطريقة مشروعة بدلا من اللجوء إلى القرض التقليدي في القضاء
على شح السيولة، حيث يجري شراء سلعة معينة فعلياً وإعادة بيعها لطرف ثالث، بغرض الحصول على النقد .
لذلك يقوم المصرف بشراء أو تمويل السلعة المطلوبة، ومن ثم بيعها للمتعامل زائداً ربحاً محدداً، ثم يقوم ببيعها لمصلحة متعامله وإضافة المبلغ لحسابه، وبعد ذلك يقوم المتعامل بدفع قيمة الشراء نقداً أو بالتقسيط . وببساطة شديدة فإن التوريق التقليدي بيع وشراء للديون، بينما التوريق المجاز شرعاً شراء وبيع أصول ومنافع وديون ناشئة عن صيغ استثمار مشروعة كالمرابحة والاستصناع والإجارة وغيرها . وبهذا المفهوم تعامل المسلمون الأوائل بالتورق عندما تعاملوا به وفق معايير يقرها الشرع، وذلك قبل حدوث التطور الائتماني بأكثر من ثلاثة قرون، حيث كان للصكوك استخدام واحد كونه وثيقة إثبات حق مالي . ويعني ذلك أن الصكوك التقليدية تصدر وتتداول لأغراض الاستثمار، بخلاف الصكوك المعروفة في كتب الفقه الإسلامي التي تصدر لإثبات حق مالي فقط، وقد يطرأ عليها بيع وشراء .
وينبغي الإشارة هنا إلى أن الفقه الإسلامي قد سبق الاقتصاد التقليدي المعاصر إلى استخدام الصكوك كوثيقة لإثبات حق، وقد ورد عن الإمام النووي (أبو زكريا يحيي بن شرف، شرح النووي على صحيح مسلم، ج 1) مانصه” الصِكَاك جمع صك، وهو الورقة المكتوبة بدين، ويجمع على صكوك، والمراد هنا الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه . وفي جواز البيع قبل القبض قضية خلافية”، ويفهم من كلام النووي أن الصكوك تطلق على نوعين من الوثائق، الأول: الوثائق التي تثبت الدين، وتستخدم لضبط الدين، ولا علاقة بين صك الدين في كلام النووي وصك التوريق، فالنووي يقصد صك إثبات الدين لا بيعه، لأن هذا مما هو محرم شرعا لمكان الربا الصريح فيه . والثاني: تلك الوثائق التي تثبت حقاً في طعام أو سلع أو غيره، وهو الأشبه بالصكوك خصوصاً عند إيراده خلاف الفقهاء في جواز بيعه وهو التداول .
ومثال آخر للصكوك بهذا المفهوم ما ورد عن الزبير بن العوام، أنه كان يستخدم هذه الصكوك في تجارته الخارجية، فقد كان لا يقبل الودائع، وكان يطلب من المودع أن يجعلها قرضاً عنده، ويكتب له بذلك صكاً، فكان حامل الصك يعود إليه بعد فترة ليأخذ نقوده، أو يسلم الصك عامل الزبير في المدينة التي يسافر إليها ويأخذ نقوده .
كما شاع استخدام الصك للأغراض التجارية واستخدامها لتأدية المدفوعات بدلاً من الدفع النقدي، ومثال ذلك ما ورد عن سيف الدولة الحمداني، يوم جاء بغداد زائراً متخفياً فخدمه بعض الناس من دون أن يعرفوه، فلما هم بالانصراف كتب لهم صكا إلى أحد الصيارفة ببغداد بألف درهم، فلما أعطوا الصيرفي الرقعة، أعطاهم ما فيها في الحال (سير أعلام النبلاء، ج 1)، وقد شاع استخدام الصكوك للأغراض التجارية في مدينة البصرة، وصار لها قواعد وأصول معروفة من حيث طريقة الختم والشهود، وأصبح وجود الصراف لا غنى عنه في سوق البصرة خلال القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي (آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) .
من هنا، فإن استخدام الصكوك ينصب في قالب واحد من حيث إن الصك وثيقة إثبات حق مالي، والصكوك الاستثمارية الإسلامية ما هي في حقيقتها إلا وثيقة تثبت حقا ماليا . والفرق بين المفهومين كبير حيث إن الصكوك الحديثة/ التقليدية تصدر وتتداول لأغراض الاستثمار بخلاف الصكوك المعروفة في كتب الفقه الإسلامي التي تصدر لإثبات حق وحسب، وقد يطرأ عليها بيع وشراء . وأن الحضارة الإسلامية كانت الأسبق في استخدام الصكوك بشكل يدعم الإنتاج والتنمية .
وحيث اتضح معنى التوريق في النظام الإسلامي وأسبقية الحضارة الإسلامية، فما أنواع التوريق؟ يمكن التفريق بين نوعين للتوريق .
أولهما: مديونية النقود . فإذا كان الدين (توريق الدين النقدي) ثابتا في الذمة مؤجل السداد أو نقوداً فقد ذهب الفقهاء إلى عدم جواز توريقه، وبالتالي امتناع تداوله في سوق ثانوية، سواء بيع بنقد معجل من جنسه، حيث ينطوي على ربا الفضل والنساء معا، أو بيع بنقد معجل من غير جنسه لاشتماله على ربا النساء وذلك لتطبيق أحكام الصرف عليه شرعا، وبالتالي لا يجوز توريق الديون المصرفية المؤجلة وتداولها من المؤسسات المالية الإسلامية أو الأفراد في الأسواق المالية أو شرائها مباشرة بنقد معجل أقل منه، كما يجري في عمليات توريق الديون المتداولة في الأسواق الدولية، حيث إنها من قبيل الربا المحرم بإجماع أهل العلم .
ثانيهما: مديونية السلع/ عروض التجارة . حيث يعمل المصرف الإسلامي على حصر مجموعة من الموجودات المدرة للدخل، وبيع سندات في السوق مقابل هذه الموجودات، بمعنى أن العملية تقوم على تحويل الموجودات غير السائلة إلى سندات متداولة استناداً إلى هذه الموجودات، مع مراعاة الضوابط الشرعية . فالصك وفقا لذلك لا يمثل مبلغا معينا من المال/ النقود، ولا هو دين على جهة معينة، سواء أكانت شخصا طبيعيا أم اعتباريا، وإنما هو ورقة مالية تمثل ملكية جزء على الشيوع . وهو يمتاز عن السند العقاري (وثيقة ملكية موجودات ثابتة) في أن العين التي يمثل الصك حصة فيها مرتبطة بعقد شرعي - وفق إحدى صيغ التمويل الإسلامي - يجعل للصك عائدا وهو حصته من عائد ذلك العقد .
ثم إن الصكوك يمكن أن تكون اسمية، بمعنى أنها تحمل اسم الشخص المالك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة اسم المالك الجديد عليها كلما تغيرت ملكيتها .
كما أن من الممكن أن تكون سندات لحاملها، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم كما هو الحال في أسهم الشركات المساهمة .
الخليج الاقتصادي الإماراتية
على شح السيولة، حيث يجري شراء سلعة معينة فعلياً وإعادة بيعها لطرف ثالث، بغرض الحصول على النقد .
لذلك يقوم المصرف بشراء أو تمويل السلعة المطلوبة، ومن ثم بيعها للمتعامل زائداً ربحاً محدداً، ثم يقوم ببيعها لمصلحة متعامله وإضافة المبلغ لحسابه، وبعد ذلك يقوم المتعامل بدفع قيمة الشراء نقداً أو بالتقسيط . وببساطة شديدة فإن التوريق التقليدي بيع وشراء للديون، بينما التوريق المجاز شرعاً شراء وبيع أصول ومنافع وديون ناشئة عن صيغ استثمار مشروعة كالمرابحة والاستصناع والإجارة وغيرها . وبهذا المفهوم تعامل المسلمون الأوائل بالتورق عندما تعاملوا به وفق معايير يقرها الشرع، وذلك قبل حدوث التطور الائتماني بأكثر من ثلاثة قرون، حيث كان للصكوك استخدام واحد كونه وثيقة إثبات حق مالي . ويعني ذلك أن الصكوك التقليدية تصدر وتتداول لأغراض الاستثمار، بخلاف الصكوك المعروفة في كتب الفقه الإسلامي التي تصدر لإثبات حق مالي فقط، وقد يطرأ عليها بيع وشراء .
وينبغي الإشارة هنا إلى أن الفقه الإسلامي قد سبق الاقتصاد التقليدي المعاصر إلى استخدام الصكوك كوثيقة لإثبات حق، وقد ورد عن الإمام النووي (أبو زكريا يحيي بن شرف، شرح النووي على صحيح مسلم، ج 1) مانصه” الصِكَاك جمع صك، وهو الورقة المكتوبة بدين، ويجمع على صكوك، والمراد هنا الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه . وفي جواز البيع قبل القبض قضية خلافية”، ويفهم من كلام النووي أن الصكوك تطلق على نوعين من الوثائق، الأول: الوثائق التي تثبت الدين، وتستخدم لضبط الدين، ولا علاقة بين صك الدين في كلام النووي وصك التوريق، فالنووي يقصد صك إثبات الدين لا بيعه، لأن هذا مما هو محرم شرعا لمكان الربا الصريح فيه . والثاني: تلك الوثائق التي تثبت حقاً في طعام أو سلع أو غيره، وهو الأشبه بالصكوك خصوصاً عند إيراده خلاف الفقهاء في جواز بيعه وهو التداول .
ومثال آخر للصكوك بهذا المفهوم ما ورد عن الزبير بن العوام، أنه كان يستخدم هذه الصكوك في تجارته الخارجية، فقد كان لا يقبل الودائع، وكان يطلب من المودع أن يجعلها قرضاً عنده، ويكتب له بذلك صكاً، فكان حامل الصك يعود إليه بعد فترة ليأخذ نقوده، أو يسلم الصك عامل الزبير في المدينة التي يسافر إليها ويأخذ نقوده .
كما شاع استخدام الصك للأغراض التجارية واستخدامها لتأدية المدفوعات بدلاً من الدفع النقدي، ومثال ذلك ما ورد عن سيف الدولة الحمداني، يوم جاء بغداد زائراً متخفياً فخدمه بعض الناس من دون أن يعرفوه، فلما هم بالانصراف كتب لهم صكا إلى أحد الصيارفة ببغداد بألف درهم، فلما أعطوا الصيرفي الرقعة، أعطاهم ما فيها في الحال (سير أعلام النبلاء، ج 1)، وقد شاع استخدام الصكوك للأغراض التجارية في مدينة البصرة، وصار لها قواعد وأصول معروفة من حيث طريقة الختم والشهود، وأصبح وجود الصراف لا غنى عنه في سوق البصرة خلال القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي (آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) .
من هنا، فإن استخدام الصكوك ينصب في قالب واحد من حيث إن الصك وثيقة إثبات حق مالي، والصكوك الاستثمارية الإسلامية ما هي في حقيقتها إلا وثيقة تثبت حقا ماليا . والفرق بين المفهومين كبير حيث إن الصكوك الحديثة/ التقليدية تصدر وتتداول لأغراض الاستثمار بخلاف الصكوك المعروفة في كتب الفقه الإسلامي التي تصدر لإثبات حق وحسب، وقد يطرأ عليها بيع وشراء . وأن الحضارة الإسلامية كانت الأسبق في استخدام الصكوك بشكل يدعم الإنتاج والتنمية .
وحيث اتضح معنى التوريق في النظام الإسلامي وأسبقية الحضارة الإسلامية، فما أنواع التوريق؟ يمكن التفريق بين نوعين للتوريق .
أولهما: مديونية النقود . فإذا كان الدين (توريق الدين النقدي) ثابتا في الذمة مؤجل السداد أو نقوداً فقد ذهب الفقهاء إلى عدم جواز توريقه، وبالتالي امتناع تداوله في سوق ثانوية، سواء بيع بنقد معجل من جنسه، حيث ينطوي على ربا الفضل والنساء معا، أو بيع بنقد معجل من غير جنسه لاشتماله على ربا النساء وذلك لتطبيق أحكام الصرف عليه شرعا، وبالتالي لا يجوز توريق الديون المصرفية المؤجلة وتداولها من المؤسسات المالية الإسلامية أو الأفراد في الأسواق المالية أو شرائها مباشرة بنقد معجل أقل منه، كما يجري في عمليات توريق الديون المتداولة في الأسواق الدولية، حيث إنها من قبيل الربا المحرم بإجماع أهل العلم .
ثانيهما: مديونية السلع/ عروض التجارة . حيث يعمل المصرف الإسلامي على حصر مجموعة من الموجودات المدرة للدخل، وبيع سندات في السوق مقابل هذه الموجودات، بمعنى أن العملية تقوم على تحويل الموجودات غير السائلة إلى سندات متداولة استناداً إلى هذه الموجودات، مع مراعاة الضوابط الشرعية . فالصك وفقا لذلك لا يمثل مبلغا معينا من المال/ النقود، ولا هو دين على جهة معينة، سواء أكانت شخصا طبيعيا أم اعتباريا، وإنما هو ورقة مالية تمثل ملكية جزء على الشيوع . وهو يمتاز عن السند العقاري (وثيقة ملكية موجودات ثابتة) في أن العين التي يمثل الصك حصة فيها مرتبطة بعقد شرعي - وفق إحدى صيغ التمويل الإسلامي - يجعل للصك عائدا وهو حصته من عائد ذلك العقد .
ثم إن الصكوك يمكن أن تكون اسمية، بمعنى أنها تحمل اسم الشخص المالك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة اسم المالك الجديد عليها كلما تغيرت ملكيتها .
كما أن من الممكن أن تكون سندات لحاملها، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم كما هو الحال في أسهم الشركات المساهمة .
الخليج الاقتصادي الإماراتية