ما يدعو إلى الدهشة أن قطرا عربيا إسلاميا في حجم الجزائر لا يتعدى فيه حجم المال الإسلامي في نظامه المالي أكثر من 3 في المائة، إذ إن كل حصيلة هذه البلاد من المصارف الإسلامية بنكان فقط، هما بنك البركة الذي تأسس عام 1990 كفرع لـ«مجموعة البركة المصرفية»، بأصول تبلغ نحو بليون دولار تستغل 20 فرعا موزعة في هذه البلاد. والثاني هو بنك السلام (فرع بنك السلام البحرين)، الذي بدأ نشاطه سنة 2008 برأسمال مدفوع قدره 100 مليون دولار أميركي، إضافة إلى بعض شركات التأمين التكافلي (كشركة «سلامة»).
وأوضح خبراء ماليون جزائريون لـ«الشرق الأوسط» أنه من شأن اهتمام الجزائر بهذه الصناعة أن يفتح لها آفاق أرحب في مجال التمويل الإسلامي، مؤكدين أن تنوع عقود التمويل الإسلامي يتيح مستقبلا إمكانيات هائلة لعلاج الكثير من المشكلات ذات العلاقة بالتمويل في الجزائر، إذ يمكن استخدام السلم والمشاركة في تمويل القطاع الزراعي، مشيرين إلى أنه قطاع مهم في الجزائر.
وأوضح خبراء ماليون جزائريون لـ«الشرق الأوسط» أنه من شأن اهتمام الجزائر بهذه الصناعة أن يفتح لها آفاق أرحب في مجال التمويل الإسلامي، مؤكدين أن تنوع عقود التمويل الإسلامي يتيح مستقبلا إمكانيات هائلة لعلاج الكثير من المشكلات ذات العلاقة بالتمويل في الجزائر، إذ يمكن استخدام السلم والمشاركة في تمويل القطاع الزراعي، مشيرين إلى أنه قطاع مهم في الجزائر.
ودعوا القائمين على أمر التمويل في الجزائر إلى استخدام أساليب الإجارة التمويلية والمشاركة والاستصناع لتمويل السكنات، ذلك لأنه برأيهم قطاع حساس ذو أهمية بالغة لدى الدولة الجزائرية ويحتاج إلى حلول عاجلة وأخرى متوسطة الأجل.
وفي هذا السياق أوضح الخبير المالي الجزائري الدكتور عبد الكريم قندوز أستاذ المالية بجامعة الملك فيصل بالسعودية أن التجربة الجزائرية في مجال المصرفية الإسلامية بشكل عام تعتبر ضعيفة نسبيا إذا ما قورنت بمثيلاتها من الدول العربية، مؤكدا أنها في حاجة ماسة إلى دعم، ذلك لأن فئات كثيرة من المجتمع الجزائري لا تزال محجمة عن التعامل مع النظام المصرفي التقليدي بسبب رغبتها في عدم التعامل بالفائدة، كما أقرّت بذلك كل المجامع الفقهية.
وأضاف بأنه يوجد في الجزائر في الوقت الحالي بنكان يشتغلان وفق مبادئ الشريعة الإسلامية بالجزائر، هما بنك البركة وتأسس سنة 1990 كفرع لـ«مجموعة البركة المصرفية» (حجم أصوله نحو بليون دولار) ولديه الآن نحو 20 فرعا. والثاني هو بنك السلام (فرع بنك السلام البحرين)، الذي بدأ نشاطه سنة 2008 برأسمال مدفوع قدره 100 مليون دولار أميركي. إضافة إلى بعض شركات التأمين التكافلي (كشركة «سلامة»)، مبينا أن هذه المؤسسات المالية كلها تمثل نسبية صغيرة جدا من النظام المالي ككل، إذ لا تتجاوز 3 في المائة منه.
وقال قندوز: «كان هناك كلام في الفترة الأخيرة حول قيام البنوك التقليدية بالجزائر بفتح نوافذ إسلامية، لكن لا يوجد إلى الآن شيء يدلل على تطبيق هذا الأمر. واستطيع أن أؤكد أن السوق الجزائرية كبيرة وبإمكانها أن تكون بيئة جيدة لنمو القطاع المالي الإسلامي، كل ما يحتاج إليه الأمر هو قناعة لدى القائمين على القطاع المالي ككل نابعة من الداخل، وليس الانتظار ثم استيراده من الدول الغربية التي أصبحت اليوم تتبنى هذا النوع من التمويل مؤخرا».
وأما في ما يتعلّق بالتحديات التي تواجه صناعة ونشر المصرفية الإسلامية في الجزائر، يعتقد قندوز أن أهمها إلى الآن هو عدم وجود قناعة لدى القائمين على القطاع المالي والمصرفي بالجزائر بأهمية التمويل الإسلامي، رغم أنه أثبت نجاحه الكبير في دول عربية وإسلامية وحتى بالدول الغربية، مبديا أسفه على عدم توّفر هذه القناعة في الوقت الذي تتصارع فيه كل من باريس ولندن حاليا حول من تكون عاصمة للتمويل الإسلامي في أوروبا والعالم.
وأشار إلى أن بنك البركة الجزائري مثلا رغم أنه بدأ نشاطه سنة 1991 فإن عدد عملائه لا يكاد يصل إلى 80 ألف عميل، مبينا أن عدد فروعه نحو 20 فرعا، وهي أرقام برأيه صغيرة جدا، إذا ما تم مقارنة ذلك بعدد سكان الجزائر الذي يقترب من 38 مليون نسمة.
ومع ذلك أكد قندوز أن إدخال التمويل الإسلامي بالجزائر سيدخل فئات كثيرة من المجتمع لا تزال محرومة من تلك الخدمات، كما أن تنوع عقود التمويل الإسلامي يتيح مستقبلا إمكانيات هائلة لعلاج الكثير من المشكلات ذات العلاقة بالتمويل في الجزائر، إذ يمكن استخدام السلم والمشاركة في تمويل القطاع الزراعي، وهو قطاع هام في الجزائر، ويمكن استخدام أساليب الإجارة التمويلية والمشاركة والاستصناع لتمويل السكنات، وهو قطاع، كما يعتقد، حساس جدا وذو أهمية بالغة لدى الدولة الجزائرية ويحتاج إلى حلول عاجلة وأخرى متوسطة الأجل، مضيفا أن هناك قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي أولته الدولة اهتماما ورعاية كبيرين في الفترة الأخيرة، مبينا أن أفضل أسلوب لمنح التمويل لهذا النوع من المؤسسات هو المشاركة أو المضاربة أو الاستصناع.
وأما في ما يتعلق بدور البنك المركز الجزائري في دفع صناعة المصرفية الإسلامية أو إحجامه، قال قندوز: «المطلوب في الوقت الحالي هو إصدار تشريعات تسمح بإنشاء بنوك تعمل وفق مبادئ الشريعة الإسلامية أو على الأقل السماح للبنوك التقليدية الموجودة بفتح نوافذ تمنح الخدمات المتوافقة مع المبادئ الإسلامية»، مشيرا إلى أن قانون النقد والقرض 90 - 10 (صادر سنة 1990)، الذي تم تعديله سنة 2007، هو الذي يسير حاليا النظام المصرفي بالجزائر.
ورغم انطواء البنك المركزي على بعض الإيجابيات نظريا، فإن قندوز يعتقد أنه، أي البنك المركزي، في التطبيق عاجز تماما عن مواكبة التغيرات السريعة التي تعرفها الأنظمة المالية في العالم، والتي أجرت تعديلات للسماح بقبول التمويل الإسلامي ضمن أنظمتها المالية، بما فيها الدول الغربية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها).
وأضاف أن القانون لا يمنع إمكانية تقديم البنوك لمنتجات التمويل الإسلامي من جهة، ولكنه لا يفرق بينها وبين المنتجات التقليدية من جهة أخرى. أما على مستوى التطبيق فالبنوك برأيه لا تقدم أي نوع من المنتجات التي تستجيب للمتطلبات الشرعية باستثناء بنك البركة وبنك السلام.
وقال: «تحاول الحكومة بين الفينة والأخرى الاستجابة لبعض المطالب من خلال بعض التعديلات الجزئية في محاولة للتوفيق بين النظام المالي الجزائري الحالي وتقريبه من قواعد المعاملات الإسلامية، لكنها لا ترقى إلى الحد الأدنى المأمول من فئات عريضة من المجتمع الجزائري».
وعن تقييمه لدور التشريعات البرلمانية أو الحكومية في توجيه مسار المصرفية الإسلامية في الجزائر، أوضح قندوز أن قانون النقد والقرض 90 - 10 المعدل والمتمم بالقانون 11 - 07 لا يميز بين البنوك التجارية التقليدية والبنوك الإسلامية، وهذا برأيه من الأمور التي تصعّب عمل البنوك التي تعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فهذا لا ينفي إمكانية تقديم خدمات مالية إسلامية.
وأضاف أن المشكلة تكمن في التطبيق، في ما إذا كان لدى القائمين على البنوك الجزائرية الرغبة الجدية في القيام بذلك، مؤكدا أن الكثير من الجزائريين ينتظرون ويتمنون أن تقوم البنوك الجزائرية بتقديم خدمات متوافقة والضوابط الشرعية أو السماح للبنوك الإسلامية من الدول العربية بفتح فروع لها بالجزائر.
وهنا قال: «لا نعني هنا فتح فرع بمدينة أو مدينتين، بل نريد بنوكا لها فروع في معظم المدن الجزائرية، بمعنى أنها تصل إلى العمق الجزائري، وهو ما يسمح لها بتعبئة مدخرات الكثيرين ممن يفضل أن يكتنز أمواله بدلا من إيداعها لدى بنوك تقليدية».
وفيما إذا كان للربيع العربي أي دور منشط لانتشار المصرفية الإسلامية في بلاد المغرب العربي بما في ذلك الجزائر، قال قندوز: «إن الإصلاح والتغيير ينبغي أن يكون نابعا من الداخل، وأن لا يكون تحت ضغط معين (كالضغوط الخارجية أو حتى الداخلية)، لأنه إن كان عن قناعة ابتداء وكان تدريجيا كانت نتائجه أفضل. لهذا نرى أن وجود التمويل الإسلامي بالجزائر (على الأقل بالتوازي مع التمويل التقليدي) أمر ضروري ولا بد منه من أجل تنمية اقتصادية شاملة».
وأضاف أن الدول العربية بشكل عام اعتمدت على التمويل التقليدي ولم تجنِ منه أكثر من ارتفاع المديونيات وإعاقة حركة التنمية، وظهور طبقة من الأغنياء الذين تتحرك الأموال بينهم دون غيرهم، موضحا أنه حان الوقت لتجريب التمويل الإسلامي، الذي يعتقد فيه إيجاد الحلول للكثير من المشكلات العالقة ذات الصلة بالقطاع المالي، وهو ما سينشئ برأيه دينامية على مستوى التنمية الاقتصادية والنمو المستدام.
ومع ذلك ينظر قندوز إلى مستقبل المصرفية الإسلامية في الجزائر بنوع من التفاؤل، مبينا أن الجزائر تمتلك كل المؤهلات لكي تكون رائدة في مجال الصناعة المالية الإسلامية، موضحا في نفس الوقت أن مشيرا إلى أن هناك موارد بشرية هائلة، تحتاج فقط إلى أن توجه الوجهة الصحيحة، وقال: «هناك باحثون كثر في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي، الجامعات تمنح شهادات في تخصصات الاقتصاد والتمويل الإسلامي، كما أن هناك الكثير من الملتقيات والمؤتمرات التي تنشر الوعي المصرفي الإسلامي... هناك قاعدة عملاء واسعة جدا ونسبة معتبرة منهم تتوخى الالتزام بالضوابط الشرعية في تعاملاتها المالية».
بمعنى آخر فالبيئة الضرورية لصناعة ونشر المصرفية الإسلامية في الجزائر وفق قندوز متوفرة، مؤكدا أن كل ما يحتاج إليه الأمر هو نظرة موضوعية إلى الأمر، فالمصرفية الإسلامية برأيه أثبتت نجاحها بكل قوة، وهي موجودة اليوم في كل دول العالم تقريبا، و«بدلا من أن نستورد فكرة المصرفية الإسلامية غدا من الغرب، المفروض أن نكون نحن روادها اليوم».
من ناحيته أوضح الخبير المالي الجزائري أحمد حمدي أستاذ الاقتصاد الدولي والتأمين الإسلامي في جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف بالجزائر، أن الجزائر شهدت هروب الكوادر ذات الكفاءة الخبيرة بالمصرفية، والذين كانوا يقومون بنشر ثقافتها منذ 1962، جاءت بعدها فكرة تأميم كل القطاعات الحيوية بما في ذلك القطاع المصرفي أثناء الفترة الاشتراكية، تلتها فترة الإصلاحات الاقتصادية والتي أعقبت أزمة 1986 والتي كان من ضمنها قانون النقد والقرض عام 1990 رقم 10 - 90 ليعيد بعض القوانين المتعلقة بالنظام المالي والمعرفي الجزائري، والذي كان يقر بفتح الاستثمار أمام القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي للاستثمار في هذا القطاع.
وأضاف حمدي أن هذه الإصلاحات جاءت لتفتح المجال أمام الكثير من الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية، لتقديم خدمات مالية إسلامية، فتم إنشاء بنك البركة الإسلامي وهو شراكة سعودية جزائرية، كذلك فتح المجال أمام التأمين الإسلامي، فتم إثر ذلك فتح المجال أمام شركة البركة والأمان لتستحوذ في ما بعد شركة «سلامة» للتأمين على جميع أسهمها.
وهذه الشركات والمؤسسات المالية والتأمينية الإسلامية كانت بمثابة اللبنة الأولى لبناء النظام المالي والمعرفي الإسلامي الجزائري، بجانب ظهور بعض الشركات والمؤسسات المثيلة مثل بعض المصارف الإسلامية التي أخذت تنشط الآن في سوق المال الجزائرية.
وأكد حمدي أن هناك حزمة تحديات تواجه تعاطي سوق الجزائر المصرفية مع الخدمات المصرفية الإسلامية، ومنها عدم وجود قوانين تساهم في جلب أكبر عدد من المستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى عدم نشر الوعي المصرفي الكافي في مجال المصرفية الإسلامية ومنتجاتها وخدماتها.
وأهاب حمدي بالشركات والمؤسسات المالية الإسلامية في الجزائر بلعب دور فاعل في مسألة نشر ثقافة المالية المصرفية الإسلامية، كذلك توعية الأفراد عن طريق الإشهار سواء عن طريق الأدوات والقنوات الإعلامية أو من خلال إقامة ملتقيات وندوات ومؤتمرات تولي هذا الجانب اهتماما كبيرا.
أما في ما يتعلق بموقف البنك المركزي الجزائري بالنسبة للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامية وكل الخدمات والمنتجات الإسلامية، أوضح حمدي أنه يعمل وفق قانون 10 - 90، وهو في ذلك لا يمانع من انطلاق مثل هذه الخدمات في الجزائر سواء كانت من الداخل أو الخارج بدليل دخول بعض الشركات والمؤسسات والمصارف الإسلامية، التي تنشط في الجزائر في الآونة الأخيرة، كمثل بنك البركة وشركة «سلامة» للتأمين.
واستطرد بالقول إن الجزائر منذ عشرين سنة تساعد وتدعو لجلب الاستثمار الأجنبي بما فيه القطاع المصرفي، مشيرا إلى الرغبة الأكيدة للعملاء في السوق الجزائرية.
وعن النمو المصرفي والمالي والاقتصادي في الجزائر، أشار حمدي إلى أن هناك تأمينا إسلاميا في الجزائر تقوم بخدماته شركات كبيرة كمثل شركة «سلامة» للتأمين، التي يرى أنها تتسم بقدرات تنافسية كبيرة قادرة على جذب العملاء لكون التأمين في بعض القطاعات إجباريا، مؤكدا أن التأمين الإسلامي ينمو بنسبة 25 في المائة في السوق الجزائرية.
وأفاد بأن الاقتصاد الجزائري ينمو بشكل مضطرد ويتحسن تحسنا ملحوظا، خصوصا بعد الإصلاحات التي تتجه بالاقتصاد نحو النمو المفتوح، مشيرا إلى أنه شهد نموا كبيرا بفضل حزمة من الإجراءات التي قامت بها الحكومة الجزائرية، خصوصا مشروع الإنعاش الاقتصادي، وصل إلى 6 في المائة، مؤكدا أنه لم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية العالمية، ذلك لأن الاستثمار في الجزائر لم يكن إلا في مجال الأصول المربحة فقط.
ولفت إلى أن النمو الاقتصادي أدى بدوره إلى تطور البنية التحتية للاقتصاد ككل، خصوصا بعد إنجاز مشروع القرن (طريق سيار شرق غرب) وهو طريق رابط بين شرق وغرب الجزائر، أسهم بشكل كبير في التبادل التجاري بين شرق البلاد وغربها.
وأضاف حمدي أن هناك تطورات مقدرة في جانب المترو الجزائري وتطوير الموارد المائية وإقامة السدود إلى غير ذلك، وفي ظل تطور ملموس في مجال التعليم العالي، مشيرا في النفس الوقت إلى أن السوق الجزائرية واعدة وتمتلك درجة عالية من التنافسية، خصوصا في المجال المالي والمصرفية، داعيا مستثمري العالم الإسلامي والذين ينشطون في هذا المجال أن يخطوا خطوة كبيرة وواثقة في الاستثمار في الجزائر.
الشرق الأوسط
وفي هذا السياق أوضح الخبير المالي الجزائري الدكتور عبد الكريم قندوز أستاذ المالية بجامعة الملك فيصل بالسعودية أن التجربة الجزائرية في مجال المصرفية الإسلامية بشكل عام تعتبر ضعيفة نسبيا إذا ما قورنت بمثيلاتها من الدول العربية، مؤكدا أنها في حاجة ماسة إلى دعم، ذلك لأن فئات كثيرة من المجتمع الجزائري لا تزال محجمة عن التعامل مع النظام المصرفي التقليدي بسبب رغبتها في عدم التعامل بالفائدة، كما أقرّت بذلك كل المجامع الفقهية.
وأضاف بأنه يوجد في الجزائر في الوقت الحالي بنكان يشتغلان وفق مبادئ الشريعة الإسلامية بالجزائر، هما بنك البركة وتأسس سنة 1990 كفرع لـ«مجموعة البركة المصرفية» (حجم أصوله نحو بليون دولار) ولديه الآن نحو 20 فرعا. والثاني هو بنك السلام (فرع بنك السلام البحرين)، الذي بدأ نشاطه سنة 2008 برأسمال مدفوع قدره 100 مليون دولار أميركي. إضافة إلى بعض شركات التأمين التكافلي (كشركة «سلامة»)، مبينا أن هذه المؤسسات المالية كلها تمثل نسبية صغيرة جدا من النظام المالي ككل، إذ لا تتجاوز 3 في المائة منه.
وقال قندوز: «كان هناك كلام في الفترة الأخيرة حول قيام البنوك التقليدية بالجزائر بفتح نوافذ إسلامية، لكن لا يوجد إلى الآن شيء يدلل على تطبيق هذا الأمر. واستطيع أن أؤكد أن السوق الجزائرية كبيرة وبإمكانها أن تكون بيئة جيدة لنمو القطاع المالي الإسلامي، كل ما يحتاج إليه الأمر هو قناعة لدى القائمين على القطاع المالي ككل نابعة من الداخل، وليس الانتظار ثم استيراده من الدول الغربية التي أصبحت اليوم تتبنى هذا النوع من التمويل مؤخرا».
وأما في ما يتعلّق بالتحديات التي تواجه صناعة ونشر المصرفية الإسلامية في الجزائر، يعتقد قندوز أن أهمها إلى الآن هو عدم وجود قناعة لدى القائمين على القطاع المالي والمصرفي بالجزائر بأهمية التمويل الإسلامي، رغم أنه أثبت نجاحه الكبير في دول عربية وإسلامية وحتى بالدول الغربية، مبديا أسفه على عدم توّفر هذه القناعة في الوقت الذي تتصارع فيه كل من باريس ولندن حاليا حول من تكون عاصمة للتمويل الإسلامي في أوروبا والعالم.
وأشار إلى أن بنك البركة الجزائري مثلا رغم أنه بدأ نشاطه سنة 1991 فإن عدد عملائه لا يكاد يصل إلى 80 ألف عميل، مبينا أن عدد فروعه نحو 20 فرعا، وهي أرقام برأيه صغيرة جدا، إذا ما تم مقارنة ذلك بعدد سكان الجزائر الذي يقترب من 38 مليون نسمة.
ومع ذلك أكد قندوز أن إدخال التمويل الإسلامي بالجزائر سيدخل فئات كثيرة من المجتمع لا تزال محرومة من تلك الخدمات، كما أن تنوع عقود التمويل الإسلامي يتيح مستقبلا إمكانيات هائلة لعلاج الكثير من المشكلات ذات العلاقة بالتمويل في الجزائر، إذ يمكن استخدام السلم والمشاركة في تمويل القطاع الزراعي، وهو قطاع هام في الجزائر، ويمكن استخدام أساليب الإجارة التمويلية والمشاركة والاستصناع لتمويل السكنات، وهو قطاع، كما يعتقد، حساس جدا وذو أهمية بالغة لدى الدولة الجزائرية ويحتاج إلى حلول عاجلة وأخرى متوسطة الأجل، مضيفا أن هناك قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي أولته الدولة اهتماما ورعاية كبيرين في الفترة الأخيرة، مبينا أن أفضل أسلوب لمنح التمويل لهذا النوع من المؤسسات هو المشاركة أو المضاربة أو الاستصناع.
وأما في ما يتعلق بدور البنك المركز الجزائري في دفع صناعة المصرفية الإسلامية أو إحجامه، قال قندوز: «المطلوب في الوقت الحالي هو إصدار تشريعات تسمح بإنشاء بنوك تعمل وفق مبادئ الشريعة الإسلامية أو على الأقل السماح للبنوك التقليدية الموجودة بفتح نوافذ تمنح الخدمات المتوافقة مع المبادئ الإسلامية»، مشيرا إلى أن قانون النقد والقرض 90 - 10 (صادر سنة 1990)، الذي تم تعديله سنة 2007، هو الذي يسير حاليا النظام المصرفي بالجزائر.
ورغم انطواء البنك المركزي على بعض الإيجابيات نظريا، فإن قندوز يعتقد أنه، أي البنك المركزي، في التطبيق عاجز تماما عن مواكبة التغيرات السريعة التي تعرفها الأنظمة المالية في العالم، والتي أجرت تعديلات للسماح بقبول التمويل الإسلامي ضمن أنظمتها المالية، بما فيها الدول الغربية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها).
وأضاف أن القانون لا يمنع إمكانية تقديم البنوك لمنتجات التمويل الإسلامي من جهة، ولكنه لا يفرق بينها وبين المنتجات التقليدية من جهة أخرى. أما على مستوى التطبيق فالبنوك برأيه لا تقدم أي نوع من المنتجات التي تستجيب للمتطلبات الشرعية باستثناء بنك البركة وبنك السلام.
وقال: «تحاول الحكومة بين الفينة والأخرى الاستجابة لبعض المطالب من خلال بعض التعديلات الجزئية في محاولة للتوفيق بين النظام المالي الجزائري الحالي وتقريبه من قواعد المعاملات الإسلامية، لكنها لا ترقى إلى الحد الأدنى المأمول من فئات عريضة من المجتمع الجزائري».
وعن تقييمه لدور التشريعات البرلمانية أو الحكومية في توجيه مسار المصرفية الإسلامية في الجزائر، أوضح قندوز أن قانون النقد والقرض 90 - 10 المعدل والمتمم بالقانون 11 - 07 لا يميز بين البنوك التجارية التقليدية والبنوك الإسلامية، وهذا برأيه من الأمور التي تصعّب عمل البنوك التي تعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فهذا لا ينفي إمكانية تقديم خدمات مالية إسلامية.
وأضاف أن المشكلة تكمن في التطبيق، في ما إذا كان لدى القائمين على البنوك الجزائرية الرغبة الجدية في القيام بذلك، مؤكدا أن الكثير من الجزائريين ينتظرون ويتمنون أن تقوم البنوك الجزائرية بتقديم خدمات متوافقة والضوابط الشرعية أو السماح للبنوك الإسلامية من الدول العربية بفتح فروع لها بالجزائر.
وهنا قال: «لا نعني هنا فتح فرع بمدينة أو مدينتين، بل نريد بنوكا لها فروع في معظم المدن الجزائرية، بمعنى أنها تصل إلى العمق الجزائري، وهو ما يسمح لها بتعبئة مدخرات الكثيرين ممن يفضل أن يكتنز أمواله بدلا من إيداعها لدى بنوك تقليدية».
وفيما إذا كان للربيع العربي أي دور منشط لانتشار المصرفية الإسلامية في بلاد المغرب العربي بما في ذلك الجزائر، قال قندوز: «إن الإصلاح والتغيير ينبغي أن يكون نابعا من الداخل، وأن لا يكون تحت ضغط معين (كالضغوط الخارجية أو حتى الداخلية)، لأنه إن كان عن قناعة ابتداء وكان تدريجيا كانت نتائجه أفضل. لهذا نرى أن وجود التمويل الإسلامي بالجزائر (على الأقل بالتوازي مع التمويل التقليدي) أمر ضروري ولا بد منه من أجل تنمية اقتصادية شاملة».
وأضاف أن الدول العربية بشكل عام اعتمدت على التمويل التقليدي ولم تجنِ منه أكثر من ارتفاع المديونيات وإعاقة حركة التنمية، وظهور طبقة من الأغنياء الذين تتحرك الأموال بينهم دون غيرهم، موضحا أنه حان الوقت لتجريب التمويل الإسلامي، الذي يعتقد فيه إيجاد الحلول للكثير من المشكلات العالقة ذات الصلة بالقطاع المالي، وهو ما سينشئ برأيه دينامية على مستوى التنمية الاقتصادية والنمو المستدام.
ومع ذلك ينظر قندوز إلى مستقبل المصرفية الإسلامية في الجزائر بنوع من التفاؤل، مبينا أن الجزائر تمتلك كل المؤهلات لكي تكون رائدة في مجال الصناعة المالية الإسلامية، موضحا في نفس الوقت أن مشيرا إلى أن هناك موارد بشرية هائلة، تحتاج فقط إلى أن توجه الوجهة الصحيحة، وقال: «هناك باحثون كثر في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي، الجامعات تمنح شهادات في تخصصات الاقتصاد والتمويل الإسلامي، كما أن هناك الكثير من الملتقيات والمؤتمرات التي تنشر الوعي المصرفي الإسلامي... هناك قاعدة عملاء واسعة جدا ونسبة معتبرة منهم تتوخى الالتزام بالضوابط الشرعية في تعاملاتها المالية».
بمعنى آخر فالبيئة الضرورية لصناعة ونشر المصرفية الإسلامية في الجزائر وفق قندوز متوفرة، مؤكدا أن كل ما يحتاج إليه الأمر هو نظرة موضوعية إلى الأمر، فالمصرفية الإسلامية برأيه أثبتت نجاحها بكل قوة، وهي موجودة اليوم في كل دول العالم تقريبا، و«بدلا من أن نستورد فكرة المصرفية الإسلامية غدا من الغرب، المفروض أن نكون نحن روادها اليوم».
من ناحيته أوضح الخبير المالي الجزائري أحمد حمدي أستاذ الاقتصاد الدولي والتأمين الإسلامي في جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف بالجزائر، أن الجزائر شهدت هروب الكوادر ذات الكفاءة الخبيرة بالمصرفية، والذين كانوا يقومون بنشر ثقافتها منذ 1962، جاءت بعدها فكرة تأميم كل القطاعات الحيوية بما في ذلك القطاع المصرفي أثناء الفترة الاشتراكية، تلتها فترة الإصلاحات الاقتصادية والتي أعقبت أزمة 1986 والتي كان من ضمنها قانون النقد والقرض عام 1990 رقم 10 - 90 ليعيد بعض القوانين المتعلقة بالنظام المالي والمعرفي الجزائري، والذي كان يقر بفتح الاستثمار أمام القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي للاستثمار في هذا القطاع.
وأضاف حمدي أن هذه الإصلاحات جاءت لتفتح المجال أمام الكثير من الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية، لتقديم خدمات مالية إسلامية، فتم إنشاء بنك البركة الإسلامي وهو شراكة سعودية جزائرية، كذلك فتح المجال أمام التأمين الإسلامي، فتم إثر ذلك فتح المجال أمام شركة البركة والأمان لتستحوذ في ما بعد شركة «سلامة» للتأمين على جميع أسهمها.
وهذه الشركات والمؤسسات المالية والتأمينية الإسلامية كانت بمثابة اللبنة الأولى لبناء النظام المالي والمعرفي الإسلامي الجزائري، بجانب ظهور بعض الشركات والمؤسسات المثيلة مثل بعض المصارف الإسلامية التي أخذت تنشط الآن في سوق المال الجزائرية.
وأكد حمدي أن هناك حزمة تحديات تواجه تعاطي سوق الجزائر المصرفية مع الخدمات المصرفية الإسلامية، ومنها عدم وجود قوانين تساهم في جلب أكبر عدد من المستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى عدم نشر الوعي المصرفي الكافي في مجال المصرفية الإسلامية ومنتجاتها وخدماتها.
وأهاب حمدي بالشركات والمؤسسات المالية الإسلامية في الجزائر بلعب دور فاعل في مسألة نشر ثقافة المالية المصرفية الإسلامية، كذلك توعية الأفراد عن طريق الإشهار سواء عن طريق الأدوات والقنوات الإعلامية أو من خلال إقامة ملتقيات وندوات ومؤتمرات تولي هذا الجانب اهتماما كبيرا.
أما في ما يتعلق بموقف البنك المركزي الجزائري بالنسبة للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامية وكل الخدمات والمنتجات الإسلامية، أوضح حمدي أنه يعمل وفق قانون 10 - 90، وهو في ذلك لا يمانع من انطلاق مثل هذه الخدمات في الجزائر سواء كانت من الداخل أو الخارج بدليل دخول بعض الشركات والمؤسسات والمصارف الإسلامية، التي تنشط في الجزائر في الآونة الأخيرة، كمثل بنك البركة وشركة «سلامة» للتأمين.
واستطرد بالقول إن الجزائر منذ عشرين سنة تساعد وتدعو لجلب الاستثمار الأجنبي بما فيه القطاع المصرفي، مشيرا إلى الرغبة الأكيدة للعملاء في السوق الجزائرية.
وعن النمو المصرفي والمالي والاقتصادي في الجزائر، أشار حمدي إلى أن هناك تأمينا إسلاميا في الجزائر تقوم بخدماته شركات كبيرة كمثل شركة «سلامة» للتأمين، التي يرى أنها تتسم بقدرات تنافسية كبيرة قادرة على جذب العملاء لكون التأمين في بعض القطاعات إجباريا، مؤكدا أن التأمين الإسلامي ينمو بنسبة 25 في المائة في السوق الجزائرية.
وأفاد بأن الاقتصاد الجزائري ينمو بشكل مضطرد ويتحسن تحسنا ملحوظا، خصوصا بعد الإصلاحات التي تتجه بالاقتصاد نحو النمو المفتوح، مشيرا إلى أنه شهد نموا كبيرا بفضل حزمة من الإجراءات التي قامت بها الحكومة الجزائرية، خصوصا مشروع الإنعاش الاقتصادي، وصل إلى 6 في المائة، مؤكدا أنه لم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية العالمية، ذلك لأن الاستثمار في الجزائر لم يكن إلا في مجال الأصول المربحة فقط.
ولفت إلى أن النمو الاقتصادي أدى بدوره إلى تطور البنية التحتية للاقتصاد ككل، خصوصا بعد إنجاز مشروع القرن (طريق سيار شرق غرب) وهو طريق رابط بين شرق وغرب الجزائر، أسهم بشكل كبير في التبادل التجاري بين شرق البلاد وغربها.
وأضاف حمدي أن هناك تطورات مقدرة في جانب المترو الجزائري وتطوير الموارد المائية وإقامة السدود إلى غير ذلك، وفي ظل تطور ملموس في مجال التعليم العالي، مشيرا في النفس الوقت إلى أن السوق الجزائرية واعدة وتمتلك درجة عالية من التنافسية، خصوصا في المجال المالي والمصرفية، داعيا مستثمري العالم الإسلامي والذين ينشطون في هذا المجال أن يخطوا خطوة كبيرة وواثقة في الاستثمار في الجزائر.
الشرق الأوسط